سامي النصف

حيث يمرون لا ينبت العشب!

خلال سنوات 1968 ـ 1970 استبدلت قيادات وزعامات مسالمة في عدة دول عربية بقيادات إبادية قمعية، بدأت منذ أيامها الأولى بنصب المشانق وفتح أبواب السجون وشن الحروب بالداخل والخارج، وحولت ثروات بلدانها العامة الى حساباتها الشخصية، وكان لسان حالها يتمثل بمقولة «اتيلا» الرهيب: «حيث يمر حصاني لا ينبت العشب أبدا»!

***

وقد يصعب فهم التوجه السياسي «الحقيقي» لتلك الأنظمة المدمرة، فقد ادعت الوطنية والقومية واليسارية وحتى الإسلامية في حين امتلأت سجونها بالوطنيين والقوميين واليساريين والإسلاميين، وتناقضت أقوالها مع أفعالها، فالعداء الزائف للغرباء بالخارج والعداء الحقيقي المعمد بالدم للأقرباء بالداخل.

***

هذه الأيام نرقب تساقط او «تقاعد» تلك الأنظمة تباعا بعد ان تسببت في إفلاس دولها وخواء خزائنها، وغيبت عن شعوبها التنمية السياسية الحقيقية التي تجعلها تتعايش مع بعضها البعض، وتركت خلفها ثارات وأحقادا ودماء تهدد دولها بالانفصال والانقسام والحروب الأهلية القادمة لا محالة بعد ان انفصل جنوب السودان الذي تفوق مساحته 15 ضعف مساحة فلسطين التاريخية التي قامت «انقلابات» الامس بحجة نصرتها وتناستها بالمطلق «ثورات» شعوب هذه الأيام لكثرة ما تعرضت للقمع والإبادة تحت راياتها.

***

وللحقيقة والتاريخ ثارت إبان الحكم الاستعماري دير الزور السورية السنية في العشرينيات فتجاوب معها الفرات العراقي الشيعي في ثورته الكبرى، وتم تبادل خطب الجمعة بين المساجد الشيعية والسنية في بغداد، وتآخى الهلال والصليب في مصر، ومنح الفرنسيون الدروز دولة مستقلة حاكمها سليم الأطرش فأسقطها الدرزي الثائر سلطان الأطرش بالتعاون مع أهل دمشق بقيادة الدكتور الشهبندر، كما منحوا العلويين دولة أسقطها الثائر العلوي صالح العلي بالتعاون مع الكردي السني إبراهيم هنانو، أما إبان الحكم الوطني هذه الأيام فقد باتت دولنا مهددة بالانشطار لعشرات الدول المتقاتلة و.. ألا ليت الاستعمار يعود يوما فنخبره بما فعله الحكم الوطني الثائر بنا من جرائم يندى لها جبين الانسانية!

***

آخر محطة: (1) أيهم أكثر رحمة ورأفة بالمواطن السوري من يتظاهر في الجولان المحتلة أم في حمص المحررة؟!

(2) ما موقف قيادة حركة حماس مما يحدث في بلاد الشام هذه الأيام؟!

 

احمد الصراف

الخوف من الظلام الإيراني (3-1)

يخاف الكثيرون من الظلام بسبب الجهل، فخوفنا من الغرف المظلمة سرعان ما يتبدد بمجرد إضاءة المصباح. ولو طبقنا هذه الحقيقة على علاقاتنا، كعرب أو خليجيين، بإيران، التي اتسمت، على مدى عقود طويلة، بالكثير من الشك والريبة وحتى الخوف، لوجدنا أن سبب ذلك يكمن في جهل كل طرف بالطرف الآخر، وهو الجهل الذي ربما ساهم سياسيو الطرفين في تكريسه عن قصد! فمن فترة ليست بالبعيدة كان التاجر الخليجي يفتخر باتقانه التحدث بالفارسية، والتعامل تجاريا مع الناطقين بها، وإذ، وبعد اقل من نصف قرن، ينقلب الوضع، ويصبح كل ما يتعلق بإيران ولغتها وتاريخها واخبارها أمرا غير مستحب، وربما تكون القبس من وسائل الإعلام القليلة التي تهتم مثلا بما ينشر في الصحافة الإيرانية، وهذا مثال واحد فقط. كما أعتقد أن مناهج الطرفين الدراسية تخلو من أي إشارة إيجابية لتاريخ وحضارة الطرف الآخر، وإن وجد شيء فهو مسيء غالبا، فنحن نعتبر إيران جارة كبيرة، ولها طموحات إقليمية ومذهبية واسعة، وهذا سبب كاف للخوف منها، أو هكذا نعتقد، كما نكره صورتها عنا، ويقول الأديب البحريني عبدالله خليفة: «..إن هناك رفضا شديدا، داخل إيران، لتاريخها الإسلامي والعلاقة مع العرب. ويعتقد بعض كتابها ومفكريها أن إيران الساسانية والأخمينية دمرَ حضارتها المزدهرة البداةُ المتوحشون من آكلي السحالي، الحفاة العراة، البدو قاطني الصحراء، وأن هذه صورة العرب في اجزاء كثيرة من الأدب الفارسي..»!
كما أن إيران تسعى من جهتها لأخذ الحيطة والحذر منا بسبب «ارتباطاتنا وتبعيتنا للغرب»، وإمكانية استخدامنا للنيل منها، إضافة لكوننا، في مجموعنا، لا نمثل وجهة نظر واحدة، وهذا يربكها ولا يجعلها، هي أو غيرها، قادرة على اتباع سياسة موحدة ومحددة ازائنا، هذا غير ما تعتقده من أنها، ولأسباب دينية ومذهبية تاريخية، مستهدفة من قوى الظلم والاستكبار العالمية، وبالتالي هي تميل لاتباع مبدأ «من ليس معي فهو بالضرورة ضدي»!.
من المهم أن نعرف هنا أن مواقف الدول العربية من إيران لا تتسم بالانسجام أصلا، فسياسات واتجاهات ومصالح كل دولة تختلف منها عن الأخرى، حتى بين دول الخليج فما بالك بغيرها، الأبعد والأكثر تعقيدا. ولكن هذه الدول غالبا ما تتحد في مواقفها من دول مثل إيران وتركيا، وإن من دون اقتناع، في المختلف من القضايا، ولكنها نادرا ما تتحد في المواقف الجيدة والسليمة!
أعود لموضوع تأثير الجهل وأقول إنني، وعلىالرغم من كل ما «كنت» ادعيه من معرفة بالثقافة الإيرانية، وبعد ان بلغت خريف عمري أو كدت، لكن الإنترنت كشفت لي أنني لا أعرف شيئا جوهريا وثريا أو ما يكفي عن إيران، فما بالك بغيري، سواء كان ابن القبيلة أو الطائفة؟
***
ملاحظة: أنا في أجمل العواصم، باريس، وعلى الرغم من روعة الطقس أشعر بالاختناق، وصعوبة التنفس، نتيجة ما أصبحت أقرأه من «كوارث» كويتية، سواء ما نشر عن حسابات النواب والرشى وتضخم أرصدة أو تسريبات «الويكيليكس»، وكأن الكويت، بمناراتها الألف قد أصبحت مدينة الفساد والانهيار الخلقي والاداري. فهل بعد كل هذا، لا تزال يا صديقي، تعتقد أنك ستنجز شيئاً وتحقق تنمية؟

أحمد الصراف