حسن العيسى

علق مسبقاً على مشنقتكم

كان من المفروض أن تصدر جمعية المحامين وجمعية حقوق الإنسان بياناً تدينا فيه الممارسات الهمجية من الإعلام وأيضاً من السفهاء الذين سربوا الخبر والصور لهذا الإعلام الفارغ واللاهث وراء الفضائح في قضية كابتن «الكويتية» الذي اتهم بالسكر البين في مكان عام وإهانة موظف عام أثناء تأدية وظيفته (كما أرجح)، وأُصدرت بحقه أحكام بالإدانة حتى قبل أن يقول كلمة دفاع واحدة أمام الجهات القضائية. بلهاء الذين تصوروا أن القضية محصورة في مجرد طيار «ربما» شرب خمراً أو لم يشرب خارج حدود الدولة أو بداخل الطيارة، وأخطأ تحت تأثير السكر بحق بعض موظفي الجمارك. ليست هي مسألة هذا أو ذاك من البشر وقع تحت طائلة القانون وارتكب جريمة ما، بل هي قضية «إنسان» وأي إنسان كان انتهكت حقوقه الشخصية واخترقت أبسط الضمانات القانونية المقررة للمتهم أثناء التحقيق، فليس من المهم أن تنسب واقعة جرمية إلى فرد ما طالما أقررنا مسبقاً بأن في مثل دولنا تظل قوانين «دراكو» هي الصورة البشعة لتلك الدول وثقافتها، وأن الدساتير وقوانين الإجراءات الجزائية، التي تكفل الحدود الدنيا لحقوق المتهمين، يندر تفعيلها على أرض الواقع الممارس، بل هي قضية مبدأ حقوق الإنسان بصفة عامة التي دهست من السلطة ومن المجتمع في وقت واحد.
الوجه المقيت لهذا المجتمع أن نواباً من مجلس الأمة وجدوا في هذه القضية وفي قضايا سابقة أعظم مناسبة لفتل «عضلاتهم» الرقابية على كرامات وحرية خلق الله، وبالوقت ذاته كانت الواقعة فرصة عظيمة لتصفية حسابات سياسية ضد نواب آخرين، فلم يكن جائزاً من نائب متدين (يخاف ربه) مثل مبارك الوعلان أن يطالب فور سماعه الخبر «بتطبيق القانون الذي قد يفضي إلى فصل الطيار عن العمل» (جريدة الوطن ٨ يوليو) ألا يعلم الشيخ مبارك أن المتهم بريء حتى تثبت إدانته بحكم نهائي، كما ينص دستور الدولة وقوانينها، وأن مبدأ البراءة المفترض قريب من الأصل الديني «إن بعض الظن إثم»! فماذا تركت يا شيخ للنيابة ولجهات التحقيق والقضاء؟! أما النائبة د. معصومة المبارك فقد أرادت «أن تكحلها عمتها»، فهي من باب «حرصها على عدم جواز تدخل بعض النواب للإفراج والتوسط للطيار، لأنه يمثل قمة الفساد، إلا أنها قررت قبل تلك العبارة المثالية عبارة أخرى أصدرت فيها حكماً مسبقاً على الطيار المتهم بأن هذا «يمثل قمة الاستهتار بحياة الناس»… (المصدر السابق)! أي استهتار يا دكتورة، والمتهم الطيار «مكلبج» بامتهان وتحقير من الخلف، وتذكرنا صورته بمشهد الممثل أنتوني هوبكنز، وهو مقيد كأحد أخطر المجرمين في فيلم «صمت الحملان»… ليتكم صمتم مثل الحملان.

آخر مقالات الكاتب:

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *