محمد الوشيحي

عذراً فوربس

كل خواجة بروفيسور ما لم يثبت العكس، وكل أشقر عالِم، وكل أسمر جاهل، حتى يقضي الله أمراً كان مفعولاً.

وكان الأفارقة السود في القرون السابقة يظنون أن البحارة الأوروبيين «أولاد الله» جل شأنه، ويركعون على ركبهم كلما شاهدوهم، خصوصاً بعد أن رأوا بأعينهم كيف يحتجز الأوروبيون مجموعات من النمور والأسود والفهود حية سليمة في أسيجة (بالفصحى أسوجة). وكان الأوروبيون قد اكتشفوا طريقة لتخدير السباع والقبض عليها سليمة لا إصابات فيها. إذاً خلاص، هؤلاء هم «أولاد الله» لا محالة. وطبعاً الأوروبيون الأتقياء لم يفوّتوا الفرصة، بل راحوا يمسحون رأس كل من يركع أمامهم ويشفطون خيرات أرضه ويستعبدونه.

حتى أجدادنا في جزيرة العرب، كانوا في ذهول مهول من هؤلاء «الشقران»، تحديداً بعد أن شاهدوا الطائرات البريطانية فوقهم تطلق القنابل، ورسخ في أذهان بعضهم أن هذه هي «الطير الأبابيل»، وازدادت جرعة الدين عندهم، فالخوف يقرّب الخائف من ربه، وراح «الشيبان» يقرأون سورة الفيل: «ألم ترَ كيف فعل ربك بأصحاب الفيل…»، وظنوا أنهم هم أنفسهم أصحاب الفيل، والدليل هذه الحجارة من سجيل التي أحرقتهم، فأكثروا الاستغفار، وتواصوا بالتوبة إلى الله، وأيقنوا أن هؤلاء الشقران ليسوا بشراً، بل في مرتبة أعلى.

وفي السنوات التي تلت التحرير، تعاقدت إحدى الوزارات الكويتية مع شركة تدريب بريطانية، وجاء الخواجات بعنطزتهم وغطرستهم الطاووسية، وبدأت المحاضرات، وكل الأمور تمام التمام وسنجة عشرة، إلى أن أوقعت إدارة الشركة عقاباً على أحد «الأساتذة» الإنكليز بعد أن سرق بعض المعدات باهظة الثمن، فغضب السارق وكشف اللعبة أمام الكويتيين: «لسنا أساتذة ولم يسبق لنا التدريس في بريطانيا، فقط رؤساء الأقسام هم الأساتذة، والأستاذ البريطاني فلان كان حمّالاً (عتّالاً) في الميناء، والأستاذ فلان كان حداداً قضى جل حياته في السجن، والأستاذ فلان مساعد ميكانيكي قضبان حديدية، ووو، أما أنا فكنت أنظف زجاج البنايات… أتوا بنا لتدريب أبنائكم كأساتذة معاهد، بعد أن دربونا ثلاثة أشهر فقط، وليس منا من أكمل تعليمه، ونتقاضى منكم مبالغ طائلة»! ومع كل هذه الاعترافات استمرت الشركة واستأنف الخواجات تدريبهم، وكأن شيئاً لم يكن. أليسوا خواجات؟ إذاً كيف يخطئون ويكذبون ويغشون؟ معاذ الله.

وقبل أسبوعين، تلقيت رسالة: «السيد الوشيحي، نحن مجلة فوربس، وقد رأينا أنك من الشخصيات العربية المئة الأكثر حضوراً على تويتر – هكذا كانت صياغتهم للجملة – نرجو تزويدنا برقم هاتفك»، أنعم وأكرم، هاكم رقم هاتفي، وهاتفوني، ثم وضعوا قبل يومين قائمة الشخصيات العربية المئة الأكثر حضوراً، فاطّلعت عليها وكانت الكارثة.

السيطرة على القائمة كانت للكويتيين، يليهم المصريون، وليست هنا المشكلة… المشكلة هي أن العزيزة «نوارة نجم» باعتراف كثير من أهل تويتر هي الأكثر تأثيراً وحضوراً ونشاطاً في تويتر، حتى وصل الأمر إلى مهاجمتها من قبل مرتضى منصور وآخرين من كبار الساسة في مصر، وتطور الأمر بعد ذلك إلى أن هُدّدت بتحويلها إلى النيابة بصفتها «المحرضة الأولى» على التظاهر في ميدان التحرير، وهي كذلك بالفعل، ورغم ذا لم يظهر اسمها في القائمة (بالمناسبة، لم يظهر من المئة إلا 61 اسماً ولا أدري أين اختفت البقية)، وجاء وائل غنيم وفيصل القاسم ومحمد الرطيان وآخرون لا يقلون عنهم شهرة وحضوراً في مراتب متأخرة!

يبدو أن أختنا «فوربس» تلعب لعبة تسويقية جميلة، أو أن شيئاً ما في داخل القفص… عذراً خواجات فوربس لستم «أولاد الله»، ولا أصدقكم.

حسن العيسى

على دين حكوماتهم

لنقل إن الناس على دين حكوماتهم ومتنفذيهم ولا أكثر، والمقصود بالدين هنا ليس المعتقد الروحي والإيماني وإنما المسلك والمنهج والطباع، وبكلام ثان، نقول بألا نأمر بالمعروف وننسى أنفسنا، وبكلام ثالث، نخاطب أهل الخير مرددين: بألا ننهى عن طبع ونأتي مثله (أهكذا يقولها العرب أم ماذا)، وأصل الحكاية تبدأ بمشوار قطار الكوادر المالية، الذي نقل وعبر كل محطات العمل واللاعمل في دولة «عطني وسكتني» الكويتية، وحين وصل إلى محطة المعلمين توقف وتصلب في مكانه! لماذا قطار الترضيات والتبديدات يعبر كل محطات الاستهلاك الأخرق ويمد الجالسين فيها بكل خيرات ديرة «يا رب لا تغير علينا» و»يتنحر» عند المدرسين ومربي الأجيال!
تعالوا نقرأ بعض العناوين في صحافتنا عندما تحشر نفسها، وتحاول أن توازن بين المعقول والمنقول. المعقول الاقتصادي، هو أن تتوقف الدولة عن المزيد من التبديد المالي، فالميزانية «المجنونة» (اصطلاح النائب عدنان عبدالصمد) زادت هذه السنة بنسبة أكثر من ١١ في المئة عن السنة الماضية وأرقامها صارت فلكية، وكي تسير أمور الدولة يجب ألا تقل أسعار برميل النفط عن تسعين دولاراً أو خمسة وثمانين كما بح صوت «الشال» دون أن يسمع أحد في حواري «الطرشان» بالمجلس النيابي التابع وعند الحكومة المتبوعة التي يسير معظم أهل الكويت على دينها. في التقرير الاقتصادي للزميل محمد البغلي بجريدة الجريدة كتب بالخط العريض آخر الشهر الماضي «من مشروع توزيع الثروة إلى مشروع تدمير الدولة: كوادر وبدلات بلا رؤية…»؛ يبدو أنه خطاب «المعقول» في بلد اللامعقول، لكن الرد جاء سريعاً من المشاركين في ندوة للتجمع الشعبي ونقلتها «القبس» أيضاً بالخط العريض أمس بعبارة مثيرة «… مطلوب كادر للحرامية ليمرروا كادر المعلمين»… وهذا هو «المنقول» عن السيرة المتواترة بسلوك الحكومات الكويتية المتعاقبة في سياسة ممارسة الترضيات كي يخرس الناس عن السرقات، وهذا هو النهج الذي سارت عليه المجالس النيابية المتناسخة من بداية «سنة» إسقاط فواتير الكهرباء والماء حتى اليوم.
المعلمون في الدولة لهم حجتهم، وهي الدعوة إلى العدل، والعدل دائماً هو الإنصاف، فكما أنصفت أو لم تنصف الحكومة معظم البشر في الدولة بكوادر وزيادات ليس لها أي مبرر غير تسكيت النواب وتخدير وعي الناس عن مستقبل أولادهم المجهول في السنوات العجاف القادمة، فمن الواجب أيضاً أن تنصف الحكومة المعلمين اليوم، وتتم مساواتهم بالآخرين، أما الكلام عن الاستهلاك وتبديد ثروة البلاد في بند الرواتب والأجور فهذا كلام مستهلك «ومأخوذة زبدته»، يعني هل نسينا البلايين التي أهدرت بالأمس وتهدر الآن من غير رقيب تحت بنود احتكار المقاولات وتفصيل المناقصات على مقاس المؤلفة قلوبهم وكله يدخل تحت باب الفساد الكبير، فيأتي الدور اليوم على المعلمين و»تتحنبل» عليهم الحكومة…! وهل يعد ذلك عدلاً؟ لماذا؟ لا أعلم الجواب لكني أعرف أن الناس على دين حكوماتهم وكفى.

احمد الصراف

التعقيب الفاشل!

قامت جهة ما بالتعقيب على ما سبق ان كتبنا عن عدم مشروعية وضع «بيت الكويت للأعمال الوطنية» وورد في التعقيب أن «بيت الكويت» هو الصرح الوحيد الذي وثق لمرحلة الغزو الغاشم! وهذا غير صحيح، فمحاولات الآخرين اصطدمت برفض حكومي للترخيص لها فتخلّت عن الفكرة، وسار بها من لم يهتم بالقانون وبالحصول على ترخيص، ليأتي بعدها ويفتخر بأنه الوحيد في الساحة.
وقد ساءنا ما ورد في التعقيب من إقحام لعائلة العميري الكريمة في موضوع يخص شخصا محددا، من أجل خلق بلبلة وفتنة، علما بأننا سبق ان كتبنا مقالا قبل فترة قصيرة عن جهود هذه العائلة في حفظ التراث الموسيقي القديم وأغاني البحر، ولنا بينهم أحبة، وبالتالي نعتذر ان كان عنوان مقالنا السابق قد أساء اليهم بغير قصد.
كما ورد في التعقيب أن «بيت الكويت» أسسه يوسف العميري ومجموعة من أبناء الكويت! وهذا غير صحيح، ويخالف حتى ما ورد في مقابلة يوسف العميري مع جريدة عالم اليوم، عندما ذكر انه المؤسس، كما ان زيارة شخصيات محلية وعالمية البيت لا تعطيه الترخيص المطلوب، فمع كامل احترامنا لهؤلاء ومكانتهم، لكنه لم يذكر أسماء أي من وزراء الإعلام أو الشؤون أو أمناء المجلس الوطني للثقافة والفنون بينهم، وهم المعنيون أكثر من غيرهم بــ «البيت».
وورد في التعقيب – كذلك – ان مجلس الوزراء أصدر القرار 988 في 2001/11/4 وضع فيه «متحف» بيت الكويت للأعمال الوطنية تحت اشراف المجلس الوطني للثقافة والفنون! ولكن القرار لم يطبق، لأنه سيحول مشروعا مربحا لمتحف تابع لجهة حكومية عليها رقابة مالية. كما ان قرار مجلس الوزراء مبهم ولا يعني الاعتراف القانوني بالبيت، والغريب أن السيد العميري نفسه ذكر بكل صراحة في مقابلته مع «عالم اليوم» بأن «البيت يعاني من عدم الاعتراف به»! فكيف يأتي التعقيب لينفي ما ذكره العميري نفسه وليس فقط نحن؟!
كما ورد في التعقيب ان البيت أصبح «صرحا» قانونيا في 2001/11/4، فاضافة الى عدم دقة ذلك، لكن المعروف انه أسس في عام 1997، أي قبل 4 سنوات من قرار مجلس الوزراء، فأين ذهبت التبرعات النقدية والعينية الطائلة، التي تم تجميعها في الفترة من تاريخ التأسيس غير القانوني وحتى إلحاقه الصوري بالمجلس الوطني؟ علما بأن السيد العميري قام عند التأسيس بإرسال رسائل لجميع الشركات المساهمة والكبيرة الأخرى والأفراد والمؤسسات، طالبا منهم المساهمة في مشروع «بيت الكويت للأعمال الوطنية» وضمن رسائله فقرة تطلب إصدار شيكات التبرع باسم «عاصفة الصحراء»، وهو اسم تم اختياره بعناية فائقة، ويعود الى مؤسسة فردية تابعة ليوسف العميري، فهو كان على علم بأن اصدار الشيكات باسم «بيت الكويت للأعمال الوطنية» غير المرخص وغير القانوني، سيمنع حتما صرفها!
وهنا لا نطلب من السيد العميري شيئا غير ان يعلمنا بالكيفية التي تصرف فيها بالتبرعات، والتي ورد ذكر الكثير عنها في تحقيق «السياسة» في 2003/1/5، والرد على ما جاء في ذلك التحقيق الصحفي، وإعلامنا بالمبالغ التي قام بالحصول عليها، والتي أودعت بحساب «مؤسسة عاصفة الصحراء» لدى بنك برقان، ومستندات الصرف، وطريقة حفظ السجلات المحاسبية واسم مدققي حسابات البيت والمؤسسة وتأكيدهم الكتابي بسلامة سجلاتهم المحاسبية، وان تم ذلك فاننا على استعداد ليس – فقط – للاعتذار له علنا، بل والتبرع بمبلغ عشرة آلاف دينار دعما متواضعا لجهود «فرقة العميري الشعبية» في حفظ تراثنا الغنائي والموسيقي.
وأخيرا، لقد كتبنا أكثر من 10 مقالات عن فضائح بيت الكويت للأعمال الوطنية في الفترة من 2003/3/2 وحتى الأمس القريب، كما نشرت جريدة السياسة في 2003/1/5 تحقيقا على صفحتين كاملتين، تعلّق بالمخالفات المالية والإدارية التي وقعت في البيت، فلماذا سكت السيد يوسف العميري كل هذه السنوات ولم يرد، علما بأن مقالنا الأخير لم نورد فيه أي جديد؟!

أحمد الصراف