احمد الصراف

الفراغ بين الأصابع

كنت في منتصف السبعينات أُكثر من زيارة «ضيعة» أنسبائي في لبنان، وكنت كثيرا ما أصادف هناك عدداً من المغتربين، السابقين، أو العائدين في إجازة من افريقيا أو اميركا الجنوبية. وكنت ألاحظ أن صحة نسبة كبيرة منهم لم تكن على ما يرام، فبعد سنوات طويلة من الكد والجد والعمل في أجواء غير عادية، وجد غالبيتهم أن عليهم صرف الكثير مما جنوه من مال على ما فقدوه من صحة، وهم مشغولون بجني المال، وتذكرت حالهم تلك عندما قرأت قبل أيام الحكمة التي تقول إننا عندما نكون شباباً نستخدم صحتنا للبحث عن المال، وعندما نكبر نعيد شراء صحتنا بما حققناه من مال، وغالبا ما يكون الوقت قد تأخر كثيرا للقيام بذلك، وهذا صحيح غالبا! كما أن المال الذي بحوزتنا ليس لنا إلا أن نقوم بالتصرف فيه، ولكن إن قمنا بذلك أصبح ملك الغير، فالسعادة لا تكمن في ما نملك من مال، بل بقلة متطلباتنا واحتياجاتنا من الحياة. وفي هذا الصدد يقول حكيم هندي إن الإنسان يحتاج مع المال إلى الوقت، فهما العاملان المهمان في الحياة، فمن دون المال لا تستطيع العيش براحة نسبية، ولكن من دون الوقت لا تستطيع الاستمتاع بصرف المال.
ومن أقوال «بوذا»: إن كنت على حق فلا حاجة لأن تستشيط غضبا، وإن كنت على خطأ فلا حق معك لأن تغضب! وإن علينا ألاّ نفكر كثيرا في أحزان مضت، فقد تدمع العين على ذلك، ولا أن نفكر كثيرا في ما يخفيه المستقبل، فقد يجعلنا ذلك كثيري الخوف منه، وأن نعيش اللحظة ونبتسم، فهذا كفيل بأن يجلب السرور إلى قلوبنا.
وتقول حكمة هندية جميلة إن الفراغات بين أصابعنا وُجدت لكي يقوم من نحب بملئها بأصابعه عندما تتشابك أيدينا معا، فلا تنس أن تشبك أصابعك بحنان، بأصابع من تحب.

أحمد الصراف

مبارك الدويلة

الكذبة الكبرى

دأب خصوم التيار الإسلامي منذ 1976 على تكرار كذبة تحالف الإسلاميين مع الحكومة وترتيب الصفقات الواحدة تلو الأخرى، حتى صدّقوا كذبتهم، مع أن الذي يملك قليلاً من الإنصاف وشيئاً من الحكمة يدرك هذا الافتراء وأبعاده ومقاصده.
الدكتور أحمد الخطيب كان رمزاً للشيوعيين في الخمسينات والستينات، ثم رمزاً للقومية العربية في السبعينات، وبعد سقوطها حافظ على اشتراكيته، وعندما انهارت الاشتراكية في نهاية الثمانينات ومطلع التسعينات حافظ على وطنيته وأصبح يمثل التيار الوطني إلى اليوم، بعد أن أصبح تمثيله للشيوعية والاشتراكية والقومية «عارا» على صاحبه وماضياً لا يشرف المنتمين إليه!
ما لفت نظري أن أحمد الخطيب وجماعته، الذين أوجدوا كذبة تحالف التيار الإسلامي مع الحكومة في السبعينات، هم أنفسهم مع حلفائهم الجدد الذين يكررون اليوم الكذبة إياها نفسها من دون خجل من تحالفهم المكشوف في صفقات مكشوفة منذ ثلاثين عاماً.
في مطلع الثمانينات، وعندما شارك التيار الإسلامي لأول مرة في الانتخابات، واختاره الناس الذين أسقطوا تيار الشعارات الفارغة والأكاذيب المكشوفة، صرخ هذا التيار المتهالك: إنه تحالف الحكومة مع الإسلاميين. ووصموا المجلس في 1981 بـ «المجلس البصام». ويشاء الله أن يفضح أكاذيبهم، وتتقدم الحكومة بمشروعها لتنقيح الدستور، لكنها فوجئت بأن من أسموهم زوراً بحلفائها يتسببون في إفشال مشروعها عندما طرحوا نموذجاً جديداً للمعارضة.
في مجلس 1992 اتفقت القوى السياسية، التي نجحت في الانتخابات، على ألا تتسلم وزارة التربية أو الإعلام، وأن تترك هاتين الوزارتين للمستقلين نأيا بهما عن الخلافات، وفعلاً عندما عُر.ضت «التربية» على د. إسماعيل الشطي (ممثل الحركة الدستورية الإسلامية في ذلك الوقت) رفضها التزاماً باتفاق القوى السياسية، لكن عندما عُر.ضت على ممثل المنبر الديموقراطي آنذاك د. أحمد الربعي ـــ يرحمه الله ـــ بادر الى الموافقة في صدمة لجميع أعضاء مجلس الأمة، الذين كانوا مجتمعين حينها في ديوان العم عباس مناور.
تحالف التيار الليبرالي مع الحكومة واضح للعيان ومكشوف، فكل مواقف هذا التيار منذ التحرير إلى اليوم متناسقة ومتفقة مع الحكومة، بينما معظم مواقف التيار الإسلامي، وفقا للتصويت على مشاريع القوانين في مجالس الأمة المتعاقبة، كانت تتعارض مع مواقف الحكومة.
الصورة انعكست منذ نهاية الثمانينات ومطلع التسعينات الى اليوم، فبينما كانت المناطق الداخلية هي مناطق المعارضة السياسية للحكومة والمناطق الخارجية هي مناطق الموالاة، نجد أن معظم المعارضة السياسية اليوم تنتجها المناطق الخارجية، وأرجو ألا يقول قائل إن الحكومة صارت «سنعه» و«زينه» فأيدتها معارضة الداخل، لأن الحكومة اليوم في حال لا تُحسد عليه.
الناس وعوا وعرفوا أن «الصج يبقى والتصنف جهالة»، وجماعة التحالف والمنبر الى اليوم في غيّهم وضلالهم وما زالوا يكررون كذبتهم الكبرى منذ السبعينات، وتناسوا أن مصداقيتهم عند العامة تقارب درجة التجمّد، ولعل مواقف التحالف وكتلتهم في مجلس الأمة خلال الأسابيع الماضية وبيان المنبر والتحالف تأكيد لما ذكرته في هذا المقال.. قد تخدع الناس بعض الوقت لكنك لن تخدعهم كل الوقت.