حسن العيسى

كلام مأخوذ خيره

كأن الحكومة تخاطب نواب المجلس، وخصوصاً نواب الاستهلاك، حين كلفت لجنة التخطيط والتنمية «العمل على تحديث الدراسات الكفيلة بإصلاح الوضع الاقتصادي»، ثم استمع مجلس الوزراء إلى شرح من محافظ البنك المركزي عن الأوضاع الاقتصادية العالمية (وهي في أزمة كبيرة)، واثر المصروفات في بند الرواتب والأجور، وهو يكاد يستغرق مورد النفط… إلخ. 
الحكومة تصرح وكأن كلامها جديد علينا ولم نشبع ونسأم منه منذ زمن طويل! شروح محافظ البنك المركزي وتحذيراته ستدخل من الأذن اليمنى للحكومة وتخرج من الأذن اليسرى، أما الدراسات التي كلف بها المجلس الأعلى للتخطيط فأبصم أنها ستوضع على أرفف النسيان، وسيعلوها الغبار بارتفاع شبر…! إذن، لأجل مَن هذا الخطاب يا حكومة؟ لنواب الصرف أم لأجل ذاتك كتكفير عن عقدة ذنب كبيرة منك حين تراخيت في مواجهة الاستهلاك الريعي والفساد، أم أن هذا الخطاب من أجل الاستهلاك السياسي لا أكثر؟ أرجح الجواب الأخير.
فالحكومات المتعاقبة، وليس حكومات الشيخ ناصر المحمد كي نكون منصفين، هي التي خلقت هؤلاء النواب والجمهور الذي انتخبهم منذ البداية، الكارثة كانت أبعد من البقاشيش السياسية لما بعد التحرير مباشرة (خمسمئة دينار للصامدين، وفتح الأبواب للعمالة الأجنبية رغم أن الصامدين أظهروا معدنهم الصلب في الاعتماد على الذات أيام الاحتلال)، وامتدت سياسة التسكيت وشراء الولاءات حتى هذه اللحظة، فكان يكفي أن يطالب أي نائب، ولو كان وحيداً، بأي مطلب يثقل كاهل الميزانية ويدمر روح المساهمة الوطنية في الواجب العام حتى تبادر الحكومة بالبصم عليه، والحساب عليكم من إسقاط فواتير الكهرباء والماء حتى صرف الألف دينار لكل مواطن، وتكفل الدولة «بماجلة» البيت لأربعة عشر شهراً، والسطور لن تتسع لعدد مناسبات الرشوة السياسية للمواطنين سواء جاءت بتشريع ملزم أم بالصرف من تحت الطاولة لمن أحبتهم عين الحكومة فلم يضمهم الدهر! 
كانت الحكومات تصرف وتنفق بلا حساب ومن غير عمل مقابل للمواطن، ليس من أجل عيون هذا المواطن، بل كي يتم تخدير وعيه وتربية روح اللامبالاة في قضايا الإنفاق العام، فكأن الحكومات تقول له «خذ المعلوم وصهين…» ونجحت السلطة إلى حد كبير في سياسة تربية روح الإنفاق والتواكل للمواطنين، لكن على حساب المستقبل والجيل القادم الذي سيواجه المجهول، الحكومة اليوم لن تستطيع الرد على أي نائب يتكلم بحق أو باطل عن حاجات أو (تدليع) فئة من الشعب، فبيت الحكومة من زجاج، ويسهل على هذا النائب أن يرد بمطولات عن قضايا الفساد الحكومي، وكيف تمالئ السلطة هذه الجماعة أو تلك من المتنفذين… فلماذا يكون حلالاً على الكبار حراماً على الصغار! منطق بسيط ولكنه يصيب بيت الحكومة الزجاجي بسهولة… والحل لن يكون بغير العودة السلطوية إلى سياسة التسكيت وشراء الصمت ولو كانت الدولة على شفا الإفلاس. في النهاية أعتقد جازماً أن هذه الحكومة غير قادرة على الإصلاح الاقتصادي والإصلاح السياسي، فقبل كل ذلك يفترض أن يكون لديها منهج ورؤية لإصلاح اجتماعي أولاً، وهذا يتطلب إصلاح الفرد بالتعليم الجيد وخلق روح المبادرة والإبداع بالتشجيع، وأن يكون ولاة الأمر قدوة حسنة له، وهذا محل شك كبير.

احمد الصراف

برونو والوهم الأكبر

لا تختلف طريقة تفكير أو تعامل مجتمعاتنا اليوم مع العلم والعلماء عن طريقة تفكير أوروبا قبل 400 عام أو أكثر! فعندما جاهر الفيلسوف الإيطالي جيوردانو برونو (1600/1548)، برأيه في أن الشمس نجم كغيرها من النجوم، وأن هناك عوالم أخرى متعددة في الفضاء، مكملا مسيرة كوبرنيكوس، كان ذلك كافيا لأن تعتبره الكنيسة كافرا وتأمر بسجنه. وعندما أصر على آرائه بعد 6 سنوات من الحبس، قطعت الكنيسة لسانه وقتلته حرقا! جاء بعده العالم الرياضي والفلكي غاليليو غاليلي، ولم تزل أوروبا غارقة في أفكار وتقاليد عصور الظلام والإيمان بأن الأرض مركز الكون وأن النجوم والكواكب، بما فيها الشمس، تدور حول الأرض، وتوصل لاكتشافات فضائية خارقة تخالف ما جاء في الكتب الدينية المسيحية، ولكن المصير الذي لقيه برونو منعه من الجهر بها. وقد توصل لاكتشافاته بفضل توصله لاختراع التلسكوب الذي مكنه من قلب كل النظريات التقليدية القديمة، وتأكيد أفكار كوبرنيكوس عن النظام الشمسي. وقد تجرأ في عام 1632 ونشر آراءه العلمية وكان ذلك كافيا لأن تنقلب عليه الكنيسة بعد أن بين الصورة الحقيقية وراء ذلك المظهر الخادع والسطحي للأشياء الذي تريد الكنيسة التغطية عليه، وخاصة عندما ذكر بأن ما ورد في الكتاب المقدس عن مركزية الأرض يجب ألا يؤخذ به، فقد كان ذلك كافيا لأن تستدعيه محاكم التفتيش وتصدر بحقه أحكاما قاسية، وكان وقتها قد أصبح طاعنا في السن متعبا تلاحقه الأمراض والأوجاع، ولكن الكنيسة نجحت في إجباره على تغيير آرائه، وانتهى مغضوبا عليه، بالرغم من تخفيف الأحكام عنه، وتوفي عام 1642 بعد أن فقد بصره، وأنكروا عليه حتى دفنا لائقا. المهم هنا أن الكنيسة الكاثوليكية في روما اصدرت في عام 1992، أي بعد 400 عام عفوا عنه، واعترفت بصحة ما توصل إليه وبخطأ ما ورد في كتب اللاهوت عن مركزية الأرض وغير ذلك.
والآن، لو قارنا كم الوهم الذي أغرقنا «علماؤنا» فيه على مدى قرون، وكم الوهم الذي لا نزال نعيش فيه نتيجة مختلف المسلمات الخاطئة، فهل لدى أي جهة الجرأة على الاعتراف بذلك والاستعداد للتخلي عن هذه الأوهام؟ لا أعتقد ذلك، فالأرض، برأي علمائنا، لا تزال مسطحة وهي مركز الكون، وستبقى كذلك!

أحمد الصراف