محمد الوشيحي

ليدز آند جنتلمن

حفظ الله فضائيات أميركا وأوروبا وصحفهما، وحمى الله «رويترز» وأخواتها وكالات الأنباء الغربية من كل مكروه، وجزى وسائل إعلام الغرب عن العربان كل خير، وسقى المنظمات العالمية ومجلس الأمن ماءً زلالاً طيباً مباركاً فيه… ليش؟ لأنه لولا الخوف من أن تفضحهم هذه المؤسسات لتعامل حكام العربان مع شعوبهم كما تتعامل أمهاتنا مع الهريس.
فالمواطن العربي في عين الحاكم أقل من سعر التكلفة، أقصد تكلفة رصاصة، والحاكم العربي ينظر إلى شعبه كالزوجة الأولى الدميمة، بشحومها المكتظة، ومنظرها الذي يجلب الخضة، وحضنها الذي يصيب الصدر بالرضة، في حين يرى الأميركان والأوروبيين كزوجته الجديدة الغضة، ذات الأصابع البضة، والأسنان الفضة، والشفاه التي تستحق العضة… لذا يتعامل مع زوجته الأولى بالكف على الوجه كلما نطقت، ويترك ثلاجتها خالية إلا من الخبز اليابس الذي يضمن بقاءها على قيد الحزن، ويتعامل مع الثانية بالتودد والتمحلس المبين، ويتحول أمامها إلى مارد الإبريق الأمين.
ويتساءل البسطاء والسذج أثناء ثورتي تونس ومصر وبعدهما: «لماذا لا يلقي الرؤساء خطاباتهم إلا بعد منتصف الليل؟»، هم لا يعرفون أن الرؤساء في خطاباتهم إنما يتحدثون إلى وسائل إعلام الغرب وحكام الغرب ومنظمات الغرب ولكن بصورة غير مباشرة، «قال يعني بدون قصد، هم الذين تجسسوا عليه واستمعوا إليه»، بل لولا اللغة والخشية من انكشاف الخطة بصورة فجة لبدأ حكامنا خطاباتهم بـ «ليدز آند جنتلمن».
حتى في اللقاءات التلفزيونية والمؤتمرات الصحافية، لا «ينجّس» زعماؤنا أيديهم بلقاءات مع قنواتنا الفضائية ولا صحفنا، لكن ما إن تطأ أقدامهم المباركة أرض «القِبلة السياسية» أميركا، حتى يستسلموا لأسئلة الصحافيين ومقدمي البرامج وهم يفشخون «شدوقهم» بضحكة تتضاءل معها ضحكة المطربة أحلام، ويجيبون عنها بكلمات تسيل الدمع من المدمع، «كلمات فازلينية»، من النوع الذي يردده السفراء العربان: «العلاقات متينة ومتجذرة، والشعبان الشقيقان تربطهما روابط عدة، والأمور مستقرة» وما شابه من الكلمات المنومة، ينطقونها بدلع وغنج، وما إن ينهي أحدهم خطابه وتنطفئ الأضواء حتى تتحرك دباباته وقواته الخاصة لدهس شعبه.
وهذا هو السبب الذي جعل شعوب الأرض تحترم نفسها، وشعوب العربان تتسابق للفوز بشرف إلقاء القصائد بين أيادي حكامها. بل إننا تفوقنا على غيرنا من العربان وأسميناهم حكامنا «المعازيب»، أي أننا خدم بينما هم سادتنا، لهم الحق في تصفيتنا والتصرف بأموالنا ونفطنا ومداخيلنا كما في العصر الأموي والعباسي: «يا غلام اقطع رقبة هذا، وأعط ذاك ألف ألف قنطار من الحنطة»… «سمعاً وطاعة يا أمير المؤمنين».
فيا أيها السيدات والسادة، يا أيها الليدز والجنتلمن، علي النعمة لولا خوف حكامنا من وسائل إعلام الغرب لكان وكان، فردوا الجميل وحجوا إلى بيت الله الحرام حجة عن رويترز والأسوشييتدبرس وسي أن أن وبي بي سي ووكالة الأنباء الفرنسية ومثيلاتها، واعتمروا من أجل منظمات حقوق الإنسان الغربية، وادعوا لها في ظهر الغيب… ولا أظنكم ستوفونها حقها، حتى لو حملتموها على ظهوركم.
وتعالوا ندشن حملة «شكراً… ويست ميديا» باسم الشعوب العربية، نقولها لـ: «رويترز، أسوشييتدس برس، سي أن أن، سكاي نيوز، وكالة الأنباء الفرنسية، بي بي سي، وغيرها»، ولنبدأها برويترز.

حسن العيسى

ديمقراطية العوران واستقلال القضاء

سألت النائبة معصومة المبارك وزير العدل عن أسماء ودرجات القضاة الذين تم تقديم شكوى تأديب بحقهم في السنوات الثلاث الماضية، واللجان والانتدابات والمناصب التي أسندت إليهم وشغلها كل منهم، وإجراءات التحقيق ونتائجه والعقوبات المتخذة… إلخ.
حسن النية مفترض في النائبة معصومة حين وجهت مثل ذلك السؤال اللادستوري، وقد يكون لديها خبر صادق أو ربما وشاية بأن بعض القضاة والمستشارين قدمت ضدهم شكاوى تأديب، ومع ذلك تم تعيينهم في لجان أو انتدابات أو غير ذلك، وليس هذا بالغريب والشاذ في عالم المحسوبيات الكويتي، ولا يستبعد مثل تلك الأمور في كل شؤون دولة ترسم السلطة الحاكمة على جفونها حكمتنا الأثيرة: «إن حبتك عيني ما ضامك الدهر» وليس هذا بيت القصيد الآن.
النائبة معصومة تقدمت بهذا السؤال، الذي يشكل اعتداء واضحاً على مبدأ الفصل بين السلطات، كما جاء في المادة الخمسين من دستور الدولة، وأيضاً يعد افتئاتاً جلياً على الفصل الخامس من الدستور المتعلق بأحكام السلطة القضائية وتأكيد استقلالها، إلا أن تجميل عبارات الدستور بعبارات مختلسة من دساتير حية نصاً وروحاً مسألة، وواقع الممارسة السياسية الكويتية مسألة أخرى، فتلك الممارسة تفرض علينا الإقرار بأن النظريات الحالمة في نصوص الدستور لها واقع بشع هو نتيجة حتمية لرفض السلطة الحاكمة إعمال مبدأ الفصل بين السلطات، سواء كان هذا الفصل بين السلطتين التشريعية والتنفيذية (الحاكمة بالأمر الواقع) أو بين السلطتين السابقتين والسلطة القضائية، فالنائبة استندت في سؤالها أساساً إلى نص المادة 35 من قانون تنظيم القضاء التي خولت وزير العدل سلطة الإشراف على أعمال القضاء، ومفهوم الإشراف هنا يتعدى النطاق «الإداري أو المالي» ليمس في الصميم حرية واستقلال القضاء الكويتي، فما مناسبة هذه المادة…؟! ولماذا صمت ويصمت عنها نواب الأمة كل السنوات الماضية حتى اليوم و(ربما) حتى الغد.
قبل عامين تقريباً جرت محاولات جدية من قبل بعض رجال القضاء، حين وجدوا أنفسهم في حالات كثيرة لا تقتصر على المادة ٣٥ اللادستورية (برأيي) من قانون تنظيم القضاء بلا حول ولا قوة في قضية الاستقلال الحقيقي للقضاء، الذي يجب أن يتمثل في استقلال مالي وإداري كاملين، دون وصاية السلطة الحاكمة والواهبة، وقدم هؤلاء القضاة عدة أمثلة عن الواقع المزري لإدارة شؤون العدل في الدولة وحالة اللامبالاة التي تقابل بها من قبل السلطة الحاكمة، وأبسطها اللامبالاة للحالة المضحكة والمبكية لمباني العدالة، كأن يكون قصر العدل في العاصمة «علبة سردين» أوقات الدوام أو وضع المجمعات «الشعبية» لمحاكم الرقعي!
وأرفق هؤلاء القضاة المجتهدون رؤية تقدمية بقانون مخاصمة القضاء، مع طرحهم لنيل الاستقلال القضائي الحقيقي. مشروع مخاصمة القضاء كما نجد صورته الفذة في التشريعات المصرية يبيح مخاصمة القاضي (باختصار) في حالات الغش أو الخطأ الجسيم، ويعد بهذا دعامة قوية لحقوق الأفراد وحرياتهم، وكانت هناك تصورات مكملة تفعل نصوص التفتيش القضائي، إلا أن كل هذا ذهب أدراج الرياح أو تم تناسيه مع سبق الإصرار المتخلف، أو ربما تم طيه في أدراج اللااكتراث السياسي من قبل السلطتين التشريعية (التابعة) والتنفيذية الحاكمة (المتبوعة)، وانتهى حلم قانون استقلال القضاء بعبارة قوية وقاسية وصلت آذان أهل الشأن تقول: «ماذا يريد هؤلاء القضاة، لهم أن يطالبوا بما يشاؤون في زيادة الرواتب أو غير ذلك من مزايا مالية… أما أحلامهم (وأحلامنا قبلهم) في غير ذلك فانسوها تماماً…!!».
وانتصرت القوة السياسية على القانون في صراع أبدي ندرك نتائجه مسبقاً في دولتنا وغيرها من الدول التي هي على شاكلتنا الهزيلة من دول بقايا الاستبداد «القروسطي» أي أمم تاريخ قبل التنوير في أوروبا وقبل هوبز الإنكليزي ومونتسيكو الفرنسي، وبقينا هنا يراوح نوابنا في مكانهم مرددين عبارات مملة لا تسمن ولا تغني من جوع، مثل «نفخر بقضائنا الشامخ، والعادل»! فماذا فعلتم لهذا القضاء، ألا يكفيه هذا السؤال «الفذ» لحضرة النائبة معصومة، فلنهلل لديمقراطية «العوران» القاصرة على صناديق الانتخابات، وحين تكحل تلك الصناديق بجملة «من دفع وصل»!

احمد الصراف

المؤلف المجهول

كانت هناك جزيرة تقطنها مختلف المشاعر من حب وحزن وبغض وحسد وزهو وغيرها، وفي يوم علم الجميع ان الجزيرة ستغرق في المحيط لا محالة، وان عليهم مغادرتها للأبد، فانشغل الجميع بتجهيز قوارب الرحيل، إلا الحب، فقد قرر البقاء، قائلا بانه سيبقى لآخر لحظة ليطمئن بان الكل قد رحل في أمان، وعندما أصبحت الجزيرة على وشك الاختفاء تماماً تحت الماء قرر الحب تركها، وهنا بحث عمن يمد له يد العون، وصادف لحظتها مرور «الغنى» في قارب فخم وكبير فسأله ان كان بامكانه مساعدته وانقاذه من موت محقق، فقال الغنى: آسف، فقاربي يمتلئ بالذهب والفضة ولا مكان لدي لشيء آخر! وهنا قرر الحب طلب العون من الخيلاء، الذي كان يبحر في قارب جميل، فقال هذا: معذرة، فأنت تبدو في حالة يرثى لها، ولا أريد لقاربي الجميل ان يتسخ! وشاهد الحب قارب التعاسة يمر أمامه فطلب مساعدتها، فقالت: آه، لا أستطيع، ان كل ما أريده هو ان أترك لحالي، فيكفيني ما فيني! وهنا ظهر مركب السعادة فصاح الحب: أيتها السعادة، أرجوك خذيني معك، لكن السعادة كانت مبتهجة لدرجة لم تسمع فيها نداء الحب، وهنا شعر الحب باليأس وأغرقت الدموع عينيه، وفجأة سمع من يناديه: تعال أيها لحب أنا الذي سآخذك معي! ومن فرط شعور الحب بالفرح لنجاته من موت محقق نسي سؤال من تقدم لمساعدته عمن يكون، وهنا بحث عن «المعرفة» لسؤالها عن ذلك الذي انقذ حياته، فقالت له المعرفة: انه كان «الوقت»! فقال الحب ولكن لماذا تبرع «الوقت» بانقاذي عندما تقاعس الآخرون عن ذلك؟ فقالت المعرفة، وابتسامة حكيمة ترتسم على شفتيها: ليس بامكان أحد غير «الوقت» تقدير قيمة الحب الحقيقي، فكلنا مع الوقت نعرف قيمة الحب، والسعيد من يعرف ذلك قبل غيره!
***
(المؤلف غير معروف)

أحمد الصراف

مبارك الدويلة

أمنيات لم تتحقق

تقول عمشة بنت مطلق، التي تعمل ممرضة في المستشفى الأميري، إنها دونت أمنيات بعض كبار السن الذين قامت بالإشراف على علاجهم أثناء تواجدهم في المستشفى، والذين تحسروا على انقضاء سنين العمر من دون تحقيقها، ومنها:
الأول.. تمنى لو انه استغل شبابه في عمل الخير ومساعدة المحتاجين والتطوع في الأعمال الخيرية التي تتيحها اليوم اللجان الخيرية المنتشرة في البلاد، حيث انه من جيل الثلاثينات، ولم يكن المجال متاحا كما هو اليوم، حيث كان البحث عن الرزق همّ الناس في ذلك الوقت.
الثاني.. تمنى لو انه استغل صحته وعافيته في طاعة الله والإكثار من الحج والعمرة والصلاة مع المسلمين في المساجد بدلا من الشعور بالكسل واهمال الجماعة وعدم دخول المسجد الا يوم الجمعة.
والثالث.. تمنى لو انه استغل الفراغ الكبير الذي كان يعانيه في قراءة الكتب الدينية ومعرفة أحكام الدين في شؤون الحياة بدلا من الاستماع الى آراء آثار الحكيم في الحجاب وفتاوى «الدين يسر ما هو عسر» التي ضللت الناس وجعلت الدين مائعا كميوعة اللبن الخاثر!
أما الرابع فتمنى لو انه استغل الوفرة المالية التي كانت متوافرة لديه قبل سنوات عدة قبل ان يخسرها في اللهو ويضيعها في العبث، وتمنى لو انه تصدق على الفقراء وطهرها بالزكاة ودعم بها المشاريع الإسلامية التي تنفذها الجمعيات الإسلامية الكويتية في مناطق فقراء المسلمين، يقول لو فعلت ذلك لوجدت كل ما أنفقت في ميزاني غدا عندما ألقى الله عز وجل عاريا، لكنني الآن لا أملك شيئا وقد اكتوي بتلك الأموال التي بعثرتها.
ويقول الخامس: أتمنى لو يمد الله في عمري لأصحح مسيرتي، فقد كنت أصدق ما يقولونه عن الجماعات الإسلامية من انهم يرتبطون بتنظيمات خارجية ويتم تمويلهم من هناك، وكنت أقرأ لكتاب كل همهم تشويه عمل الخير وتضليل الناس بكتاباتهم عن مسيرة المتدينين، حتى انني سرت معهم في النهج نفسه، وجاءهم من اذاي ما جاءهم، وساهمت في تشويه صورتهم مع انني كنت أعلم انهم غير ذلك، لكنه الحقد الذي أعمى البصر والبصيرة.
عزيزي القارئ، هذه أمنيات كهول وشيبان لم يتبق لهم من العمر الا القليل، اذا اراد الله، ان لم يكن معظمهم غادرنا الى لقاء ربه ليقف بين يديه متجردا من كل الأسلحة الا ما قدم «وان ليس للإنسان الا ما سعى وان سعيه سوف يرى». وقال صلى الله عليه وسلم «اغتنم خمسا قبل خمس: شبابك قبل هرمك وفراغك قبل شغلك وحياتك قبل مماتك وصحتك قبل سقمك وغناك قبل فقرك».
فهل من عاقل يتدارك الأمر اليوم قبل فوات الأوان «ان تقول نفس يا حسرتا على ما فرطت في جنب الله وان كنت لمن الساخرين» صدق الله العظيم.