يحكى أن رجلا من عامة الناس، طمع في التقرب من السلطان، إذ المال والجاه والأعطيات والموائد والذهب والجواهر ورغد العيش، فما كان منه إلا أن أعد العدة بادئا بضرب الأخماس بالأسداس يفكر ويخطط، وما هي إلا بضع سنوات، حتى وجد الرجل طريقه العظيم…
كان يدرك جيدا، أن السبيل الأوحد للوصول إلى السلطان، هو أن يصبح إمام جماعة أو خطيبا أو أن يكون واعظا يخطب في الناس أيا كانت الخطبة… المهم خطبة والسلام…
مرت الأيام تلو الأيام، والسنون تلو السنون، ونال ذلك الرجل ما تمنى، واعتلى المنبر حينا وصلى على الأموات حينا آخر… حج بالناس واعتمر… إلى أن تحقق مناه بالوصول على البلاط السلطاني العظيم، ومن هناك، تفتحت أبواب الدنيا له، بل وكان يعلم في قرارة نفسه بأن أبواب الآخرة أيضا تفتحت له، فراح يضرب الأخماس بالأسداس من جديد، ولكن بفعل لا يأتيه إلا الشياطين…
كلما اقترب ذلك الرجل من السلطان، كلما ازداد فسوقا، لكنه كان يدرك جيدا أن السلطان، طيب القلب… رحيم الفؤاد… أصيل المعدن… يحب أهل سلطنته، فما راق هذا الأمر لنفر من الناس كانوا من بطانة السلطان نفسه. والأمر كذلك، قررت تلك البطانة، أن تعتبر ذلك الرجل الواعظ الخطيب (العيلم الفطحل) صيدا ثمينا ينفذ ما يريدون من سوء، لتأليب أهل السلطنة ضد بعضهم بعضا، وضد السلطان وضد أنفسهم إذا تطلب الأمر.
قبل الرجل مسرورا، طالما أن هذا هو الجسر الذي سيعبر من خلاله إلى بحبوحة العيش، وما من شيء صعب في الأمر، كل ما عليه فعله أن يشعل الحرائق كل يوم… هنا وهناك… بلسانه وبقلمه أو ببشته وهو أضعف الإيمان…
وهكذا فعل، بل واستمر سادرا في غيه، فأصبح بين ليلة وضحاها من نكرة طمع يوما في التقرب من السلطان، إلى شيء هلامي كبير ضخم… وألقى هذا الأمر الضيق في نفوس البعض: «كيف لهذا أن يكبر وأن يجعل السلطنة تقف على رجلها؟ من هو حتى يفعل كل ذلك؟ أين من هم أهل للكرامة؟»… لكن أهل السلطنة، كانوا على وعي وإدراك، فقالوا: «ليس هو من يفعل الفعلة فيختفي تارة ويظهر تارة أخرى… إن وراء الأكمة ما وراءها… وخلف هذا النكرة الضعيف، قوة أكبر».
فقرروا أن يوصلوا الأمر إلى السلطان نفسه… فلربما كان غافلا من شدة انشغاله بشئون السلطنة عن أمر هذا النكرة، ومن هم خلفه، من يريدون بالبلاد والعباد شرا…
تم الأمر، وقام علية القوم وكبراؤهم بالمهمة على أكمل وجه، فما كان من السلطان إلا أن طيب خاطرهم ووعدهم خيرا، فتلاشى ذلك النكرة مختفيا، لكن السؤال الذي شغل فكر أهل السلطنة: «هو نكرة وتحول إلى اسم علم… لكن علينا أن نكشف من هم خلفه… فهم الأخطر والأشد بلاء».
راقت الفكرة للجميع، لكن الوقت قد حان للنوم، فهذه مجرد حكاية قبل النوم…
تصبحون على خير.