ببساطة، وكما قال الخليل لأحد تلاميذه: «إذا لم تستطع شيئا فدعه، وجاوزه إلى ما تستطيعُ»… لو تدخلت أميركا وألمانيا وفرنسا واليابان وعائشة الرشيد لإقناع الناس بقدرتي على اللعب في فريق كرة قدم، أي فريق، لما استطاعوا، بل ولن يستطيعوا قبل ذلك إقناعي أنا… ومازلت أتذكر تلك المباراة التي اضطرت فيها وحدتي العسكرية مكرهة بسبب النقص للاستعانة بخدماتي وخدمات اللاعب الأجنبي الآخر «شمشينهو»، وهو المراسل الصعيدي نقي القلب، الذي يسمي الشمس «الشمش»، والجيش «الديش»، فأصبحنا نناديه «شمش الديش». وكنا الاثنان انا وهو ثغرة دفرسوار في فريقنا ولا فخر.
الفريق المنافس، كان يضم لاعب المنتخب الوطني السابق خالد الشريدة، بينما تصدى شمشينهو لحراسة مرمانا وشغلت أنا مركز قلب الدفاع، بالصلاة على رسول الله، وعينك ما تشوف إلا النور، أو عينك ما تشوف لا نور ولا تنور. «كل حملة ولد» وكل هجمة عليّ أنا وشمشينهو بهدف! وقررت أن أستخدم الخشونة مع لاعب ضخم في الفريق المنافس آذى لاعبينا، فضربته على فخذه الأسفل (كان بأربعة أفخاذ، اثنان في يديه واثنان في رجليه)، فحصلت منه على كوع مجاني على رأس المعدة أفقدني القدرة على الصراخ والتنفس، الله يعطيه العافية، وتوقفت المباراة بسببي وخفت أن أموت قبل أن أشتمه، لكن أمنيتي تحققت وشتمته في قلبي، إنما الأعمال بالنيات. ثم استؤنفت المباراة وكل لاعب يراقب لاعباً، وأنا خارج الملعب أراقب كوع الخبيث وأشجع فريقي، وأبث الحماسة في رأس لاعبنا ذاك الذي يجري بطول الملعب وعرضه ليسد الفراغات. كنت أشجعه وأنبهه: «المشوار طويل خذ معك تمراً لا تجوع في الطريق، واحذر من أبو أربعة أفخاذ وكوع»… ومن بعد المباراة تلك حملت مزودتي على كتفي وغادرت عالم كرة القدم.
ولو أن كل من لا يجيد شيئا اعتزله لاعتزل بعض كتاب المقالات في صحفنا اليومية، من صنف «لا تتركوا أولادكم مع الخدم، والرضاع الطبيعي خير من الرضاع الصناعي والبادي أظلم»، ولاعتزل بعض الشعراء، وخصوصا شعراء الأغاني الوطنية، من نوعية «كويتنا يوم أقبلت هلا هلو، نحبها وعقب الغدا ناكل حلو»، وبقية الأغاني الوطنية التي تغنيها مونيا سلامونيا وبشار الشطي، ولو أن بشار استشار أخاه الأكبر يوسف في كلمات أغانيه، لما ظهر لنا بأغنيته الوطنية الحمقاء المحقاء. فيوسف يمتلك حاسة اكتشاف الكسور في الوزن واكتشاف الضعف والقوة في القصائد، ولو تم إفساح المجال ليوسف الشطي لربحنا شاعرا ذا قيمة، وقد قرأت له شعرا جميلا، بالطبع لن أقارنه بشعر شاعر الجزيرة العربية الكويتي الكبير محمد الخس الذي لم تُستغل عظمته، وها هو الخس يتجاوز التسعين من عمره كما أظن، أطال الله عمره، ينثر درره يمينا ويسارا بصمت، دون أن يكلف أحد نفسه اختيار إحدى هذه الروائع وتلحينها لتخرج لنا أغنية وطنية شامخة بشموخ قصائد ملك الحرف والفكرة محمد الخس… ولو أن ولو أن ولو أن…