د. شفيق ناظم الغبرا

الإعلام والمعرفة في الفضاء

تتضح كل يوم ملامح واقع إعلامي جديد. فبالأمس القريب كانت الكويت أسوة بغيرها من دول العالم العربي بلا إنترنت وبلا تلفزة غير التلفزيون الوطني الوحيد، وكانت بعدد قليل من الصحف وبمصادر قليلة للمعلومات وتعيش حال رقابة مضخمة. أما اليوم فالكويت مليئة بهواة الإنترنت، وكتاب المدونات ومليئة بالصحف والمحطات الجديدة وغيرها من وسائل الإعلام وفوق هذا كله مليئة بالمرشحين وبرامجهم وإعلامهم وندواتهم وأطروحاتهم وانتقاداتهم.

لقد سقطت حال الاحتكار على المعرفة إذ نلتحق كل يوم بزمن تأثير الفرد. إن زمن الفرد الذي يستقي المعرفة ويخلق مدونة ويحرك جمهوراً ويقرأ أو يكتب ما يريد قد تعزز. في الأمس القريب تحول كل شيء إلى أمر جماعي، وبطبيعة الحال مع الجماعة رقابة وسلطة واحدة ومركزية مقننة، أما اليوم فأصبحنا نتعامل مع حرية أكبر وتعدد وتنوع في الآراء وفي المصادر وفي الرغبات والأهداف. هكذا تغيرنا ونتغير كل يوم. فمنذ سقوط جدار برلين منذ أكثر ما يقارب من العشرين عاماً والعالم يتغير كما نتغير، وتبين منذ ذلك الحدث الكبير أن قمة السيطرة الإعلامية الشيوعية الاشتراكية لم تغيّر من سعي الأفراد للتخلص من شيء لا يريدونه ومن استقاء المعلومات التي يشعرون بأنها حجبت عنهم. فما الفائدة إذاً من الرقابة بعد عشرين عاماً على هذا الحدث الكبير؟
لنأخذ على سبيل المثال اليوتيوب الذي يتحول كل يوم إلى وسيلة مستقلة للإعلام الفردي. فمن خلاله يستطيع كل فرد أن ينشر صوراً، وأن يضع ما يضع على اليوتيوب ليشاهده من يريد في أي وقت. اليوتيوب يؤمن للأفراد محطاتهم الخاصة ويضع الأفراد من خلالها أرائهم ومحاضراتهم وندواتهم وفكرهم. ما نشاهده ثورة كاملة في حق الأفراد ورؤية ما يريدون. في هذا سيطرة للفرد على حريته بغض النظر عن موقف الرقابة والمؤسسات والتيارات والأطراف. في ظل هذا الوضع المشاهد يقرر والمتابع يتحكم بما يقرأ وما لا يقرأ متجاوزاً رقيب مؤسسة أو رغبات سياسي أم ممنوعات تيار وثوابت اتجاه.
حتى اليوم مازال بعضنا مؤمناً بأن الرقابة والمنع والحد هما الطريق. ومازال بعضنا يرى إمكانية بناء سد متكامل أمام التغير. مازال بعضنا يعتبر أن قرار الرقابة قراره، وأن قرار المنع عن الناس قراره أيضاً. مازال البعض يرى أن الفرد والمواطن لا يستحق أن يعامل باستقلالية وكرامة تحترم عقله وحقه في الاختيار. مازال البعض يعتقد بأن منع ندوة أو منع تجمع أو منع حوار أو منع فيلم سينمائي أو منع مقال وجريدة وتلفزة يُعد إلغاء للمشكلة وإلغاء للفكرة وإلغاء لمقدرة الناس والأفراد لمشاهدة ما يريدون وقراءة ما يسعون إليه. مازال البعض يعتقد بقدرته على أن يتحكم بالناس وبما تقرأ وتشاهد، كما فعل العهد الاشتراكي والتقليدي العربي بالمواطن العربي منذ الخمسينات وحتى سقوط الجدران التي تسور المعلومات والمعرفة والحقيقة.
إن الإصلاح لن يكون ممكناً بوسائل تقليدية، فما من إصلاح نجح بوسائل غير عصرية. الإصلاح والمركز المالي سوف يتطلبان في المرحله المقبلة إزالة العقبات كلها من أمام الحرية الإعلامية وإيقاف الرقابة على المطبوعات والمرئيات، وإيقاف الرقابة على البرامج وما يطرح ويناقش. آن الأوان لسقوط التفكير الذي كان مناسباً لزمن ما قبل عام 1990 والتأقلم مع العصر الحديث.

آخر مقالات الكاتب:

عن الكاتب

د. شفيق ناظم الغبرا

أستاذ العلوم السياسية في جامعة الكويت
twitter: @shafeeqghabra

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *