الحفاظ على هيبة واحترام المرجعيات السياسية في الدولة وعلى رأسها سمو أمير البلاد المفدى أمر هام منعا للفوضى، وكي نجد دائما الاطفائي الذي يرش الماء البارد على نزاعاتنا الساخنة التي لا تنتهي، طلب سموه التهدئة لا يختص به رجال السلطة التشريعية بل يمتد لرجال السلطة التنفيذية ومن ثم ضرورة الحذر من التصريحات التي تؤدي الى ازمات.
مع بداية الأزمة الحالية وضعت 3 خيارات من النواب، أولها تصحيح ما أتى في لقاء الزميلة «القبس» او الاعتذار، او الذهاب للاستجواب، بودنا لو ان الازمة انتهت آنذاك في التو واللحظة عبر الاعتذار السريع بدلا من الاعتذار المتأخر، ووددنا بالمقابل لو ان الاعتذار، حتى وان أتى متأخرا، قد حصل على رضا النواب الافاضل وتوقفت القضية عند ذلك الحد.
ماذا لو لم يتم ذلك اللقاء الصحافي؟ هل كانت الكويت تنعم هذه الايام بمرحلة هدوء وسكينة سياسية؟! الجواب ببساطة «لا»، فمنهاجية الازمات امر مكتوب على الحياة السياسية الكويتية حتى نصل الى يوم يجلس فيه الحكماء من رجال السلطتين التشريعية والتنفيذية ويصلوا لحلول مؤسسية تفيد وطننا الكويت وتوقف تلك الأزمات المتلاحقة.
وفي هذا السياق بودنا ان يتوقف استخدام مصطلح «المنصة» القاسي، الذي لم أجد له مثيلا في قواميس البرلمانات العربية والأجنبية الاخرى، كونه يعطي دلالة على الإعدام او قطع الرقاب وليس على الحوارات السياسية الراقية والرأي والرأي الآخر الذي يفترض ان يشهده جمهور الاستجوابات.
نحن في حاجة ماسة لمستودعات عقول، احدها لدى السلطة التنفيذية بحيث تلجأ له قبل طرح القضايا المختلفة، مكون من رجال ساسة وتشريع وإعلام للتقليل من عدد الازمات والاصطدامات اللاحقة، والمستودع الثاني تختاره السلطة التنفيذية من رجال وحكماء السلطة التشريعية من مختلف الكتل والتوجهات السياسية، بحيث ما ان تبدأ الشرارة الاولى لأي ازمة حتى تلجأ لهم لمعرفة التوجهات العامة ضمن البرلمان والحل الامثل لذلك الاشكال وهي اخراجة تحتاجها الحكومة بشكل دائم في ظل غياب الاغلبية البرلمانية التي يفترض ان تركن لها.
بعد عودتي من السفر قمت بقراءة جميع اعداد الصحف الكويتية – وما اكثرها – ثم توجهت لمكتبة البابطين حيث تابعت قراءة الصحف الحزبية المصرية القديمة التي زود المكتبة بها مشكورا الأخ الكريم عبدالكريم البابطين، لمعرفة تفاصيل ما حدث يوما بيوم في الفترة من يناير الى يوليو 1952 والتي اشتهرت بعدم الاستقرار السياسي وكثرة تغيير الحكومات فيها، وذلك عبر الاطلاع على صحف «الاساس» السعدية و«السياسية» الدستورية و«البلاغ» الوفدية.
وقد قرأت بالصدفة في عدد جريدة «البلاغ» الصادر في 1/5/1952 مقالا للدكتور رياض صالح تحت مسمى «ابن امير يجذبه ابن حمال الى الصف فيطيع» يقول فيه انه قضى في الكويت عامين وقد وجد بها «شعبا متجانسا صغيرا يتصف ابناؤه بصفات يندر ان تتوافر لغيره من الشعوب، حيث يتمتع الفرد بكرامته وتجد الشوارع خالية من المنازعات» حسب قوله، ثم يروي تفاصيل القصة التي حدثت امامه حين خرج طالب من طابور العلاج وتقدم على الآخرين فجذبه طالب آخر وأرجعه الى مؤخرة الصف ووقفا يتضاحكان، ويقول ان مدرسهما ذكر له ان احدهما ابن امير البلاد والثاني الذي جذبه هو ابن حمال كويتي!
آخر محطة:
أحر التعازي القلبية للمملكة العربية السعودية في فقيدها البارز الشيخ عبدالعزيز التويجري والشكر الجزيل لسفير النوايا الحسنة الكويتية الأخ الفاضل عبدالعزيز البابطين على بادرته الخيرة باختيار ثلة من رجال الكويت واصطحابهم بطائرة خاصة لتقديم واجب العزاء بفقيد المملكة الكبير.
وإنا لله وإنا إليه راجعون.