سعيد محمد سعيد

«هرتزيليا»… تثمن جهود الطائفيين!

 

بالتأكيد، يدخل تقرير الزميل أحمد بلال في صحيفة «المصري اليوم» عن مؤتمر هرتزيليا الثالث عشر تحت العنوان الأكبر للسبق الصحافي المميز! ففي ذلك التقرير الذي نشر يوم الخميس (4 أبريل/ نيسان 2013)، والذي انفردت به «المصري اليوم»، تفاصيل في غاية الخطورة لما دار في ذلك المؤتمر الذي (يعد أحد أهم المؤتمرات التي تضع استراتيجية الصهاينة)، لكن أهم توصية صدرت عن ذلك المؤتمر في أواخر مارس / آذار الماضي هي ضرورة تكريس الصراع السني – الشيعي، وتشكيل محورين من دول المنطقة: سني وشيعي!

الصراع الطائفي في المجتمع الإسلامي، وكما نبه له الكثير من العلماء والباحثين والمثقفين والكتاب على مدى العقود الثلاثة الماضية تكثيفاً، كان ولايزال يقع تحت عنوان (مؤامرات الغرب والصهاينة ضد العرب والمسلمين)، إلا أنه مع هذه الحقيقة الماثلة والتي لا يمكن انكارها، فإن هناك حقيقة أخطر، وهي أن المجتمعات الإسلامية ذاتها، تحت وطأة رؤوس طائفية من المحيط الى الخليج، هي من يتولى اشعال الصراع المذهبي في الأمة، بدرجة ربما تفوق ما يتمناه الصهاينة والغرب، فمنهم المتلبس بلباس علماء الدين ومنهم المفكر ومنهم السياسي ومنهم من هب ودب، ومنهم وفوقهم وعلى رؤوسهم ايضاً حكومات تصرف الملايين وتوفر التسهيلات ليقوم أولئك بمهتمهم على أكمل وجه، ولهذا، فهم يستحقون فعلاً شكر وثناء وتقدير (هرتزيليا) على جهدهم الجبار في تفتيت المجتمع الإسلامي.

بحسب ما ورد في تقرير «المصري اليوم»، فإن (هذا المؤتمر يمثل ما يمكن أن نسميه بـ «عقل إسرائيل»، حيث تشارك فيه جميع النخب الإسرائيلية، سواء في الحكم أو في المعارضة، مدنية أو عسكرية، علمانية أو دينية، للنقاش في أهم القضايا التي تواجه إسرائيل، وطرح رؤى لكيفية التعامل معها ومواجهتها، وترتيب أولويات إسرائيل لمدة عام كامل)، لكن يتوجب على حكومات وقادة العالم الإسلامي أن يتأملوا بدقة في توصيات (هرتزيليا)، إن كانوا صادقين في حماية الاستقرار والسلم الاجتماعي والنسيج الوطني في بلدانهم، ذلك أن شراسة الصهاينة ومؤتمرهم وتوصياتهم تهدف الى تحقيق المزيد من المكاسب والاستقرار والتنمية للكيان المحتل، فيما يستهدف تدمير الأمة، حلفاء لأميركا أو غير ذلك، فبحسب التقسيم الإسرائيلي، فإن هناك محور شر هو المحور الشيعي، ويبحث الصهاينة عن محور بديل أسموه (المحور السني) تكون نواته من الملكيات العربية التي تخشى أن يصل قطار الثورات العربية إليها، إضافة إلى مصر وتركيا، اللتين أشار إليهما تقرير المؤتمر بـ «الأطراف التي عملت على إنهاء الأزمة في أعقاب العملية العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة في 2012»، وأن هذه الأطراف (تجسد التغيير، حتى لو كان محدوداً، الذي طرأ في المجموعة السنية في المنطقة، والمهتمة بعمل علاقات مع إسرائيل، سواء مباشرة أو غير ذلك، بهدف الحفاظ على الأمن الإقليمي)، وهذه الجزئية الخطيرة بحثها مؤتمر الصهاينة بتكثيف عميق، فاختيار مصر وتركيا إضافة إلى الأردن للانضمام للمحور السني المرتقب، الذي من المفترض أن يكون متحالفاً مع إسرائيل والغرب، لم يأت من فراغ، فـ «التحركات الدبلوماسية حول العملية في غزة والأزمة السورية تشير إلى تعاون وتنسيق متزايد بين الولايات المتحدة الأميركية، مصر، تركيا، الأردن ودول الخليج»، بحسب التقرير، الذي يرى في تشكيل هذا المحور ضرورة استراتيجية، و «صفقة شاملة» من شأنها أن تزيد من أمن إسرائيل، وتدفع نحو شرق أوسط جديد.

الصفقة الشاملة التي يخطط لها الصهاينة، ومع انتقادهم لما اسموه «سياسة الاختفاء من أمام العاصفة»، وهو المصطلح الذي يوجب استفادة الصهاينة من الاضطرابات في المنطقة واستغلال الفرص لتحقيق المزيد من التدمير للمجتمعات الإسلامية والعربية، تعتبر بالنسبة للصهاينة من أنجح الصفقات وايسرها تحقيقاً! كيف؟ الصهاينة يدركون أن الحليف الأقوى لهم وهو الولايات المتحدة الأميركية، يتحكم في المنطقة كيفما يشاء، ولهذا، فمن السهولة بمكان ضمان استمرار الصراع المذهبي بين السنة والشيعة في الأمة وتأجيجه الى الدرجة التي تضاعف الحريق المدمر، ولأن هناك بيئات حاضنة، من قادة وانصار واتباع الايديولوجيا الطائفية، فإن الصورة التي نشهدها اليوم في المجتمعات الإسلامية من احتدام الصدام الطائفي، ومشاركة حكام في اشعال المزيد من النيران الطائفية، تؤكد بما لا يدع مجال للشك، أن المجتمعات الإسلامية حينما تتصارع مذهبياً فليس من أجل (الدين الإسلامي وأبناء الأمة)، إنما بالتأكيد، هو لصالح الغرب عموماً والصهاينة تحديداً.

لكن، كل ذلك المخطط التآمري الخطير المستمر منذ عقود، يمكن أن يسقط بسهولة! فإذا كانت حكومات العالم الإسلامي متيقنة من أن الصهاينة اعداء لهم، فلا يتوجب عليهم احتضان ورعاية وتسمين (حمير الطائفية) ليقوموا بدورهم الخبيث، ويلزم ألا تكتفي تلك الحكومات بالتصريحات الصحافية والإعلامية الاستهلاكية تحت عناوين الأسرة الواحدة والوطن الواحد وحقوق الجميع المتساوية بصيغ مجوفة من ناحية، ثم تترك الحبل على الغارب لرؤوس الطائفية لأن تتآمر ضدهم مع الصهاينة، وهي سعيدة فرحة مسرورة.

سعيد محمد سعيد

ماركة… «أبو أسد»!

 

على رغم أن ماركة «أبو أسد» هي في الحقيقة من أسوأ الماركات، لكنها – مع شديد الأسف – وجدت لها رواجاً بين من يؤمنون بشريعة الغاب!

هنا، في مجتمعاتنا الخليجية تحديداً، لا يسعك إلا أن تموت هلعاً وأنت ترقب بروز «أسد» كل يوم. وهذه الماركة أصبحت سريعة الانتشار بفضل الاستخدام المذهل لوسائل التواصل الاجتماعي والشبكات وتقنيات الهواتف الذكية وتطبيقاتها، لتجد شخصاً منبوذاً وسوابقه في غاية السوء والخسة، وقد أصبح «أسداً» عند مجموعة من الناس!

من أبرز متطلبات الحصول على هذه الماركة، هي أن يخرج ذلك الشخص المنبوذ، سواء كان خطيباً فاشلاً أو مسئولاً حكوميّاً سيئاً أو فاسداً من عتاة المفسدين في الأرض أو من دعاة الطائفية والكراهية والتحريض على نشر العداء بين الناس، ويجرب نفسه في خطبة ما، أو مقطع فيديو على اليوتيوب أو ندوة أو دعوة يقدمها للتحشيد وإيغار الصدور بوحشية، ليصبح «أسداً». ويعقب هذه الخطوة بروز قائمة طويلة فاشلة من حسابات التواصل الاجتماعي لتمجد في ذلك الأسد، ثم سرعان ما يتحول ذلك الأسد، ومع مرور الأيام، إما إلى فأر نتن، أو إلى «عزيز قوم ذل»، لتبدأ تلك الحسابات في تنظيم حملات فاشلة هي الأخرى، لمساندته ودعمه وتقديم العون المالي والمعنوي له انطلاقاً من عنوان: «ذلك الأسد الذي دافع عن حقوقكم وفضح أعداءكم وأعداء الوطن وجاهد في سبيل الله حق الجهاد. سقط اليوم في حفرةٍ حفرها له أعداء الله… وأعانهم فيها أعداؤكم فهبوا يا شرفاء لمساعدة أسدكم. رقم الحساب المصرفي…………».

منذ أشهر مضت، حاولت الوقوف على أشهر ماركات الأسود التي انتشرت في العالم العربي والإسلامي، ومع شديد الأسف، لم تكن تلك الماركات منتشرة في سائر المجتمعات أكثر من المجتمعات الخليجية. لذلك، فقد ابتلي المجتمع الخليجي بالأسود الشامخة القوية التي تدافع عن دين الله جل وعلا، وتدافع عن الأوطان وعن شعوبها بسلاح هو في حقيقته من أرذل أنواع الأسلحة التي نهى عنها الدين! سلاح البغضاء والتناحر والتأليب والتأجيج الطائفي والنفخ في الصدام المذهبي! لكن من فضل الله ورحمته أن تلك الأسود التي تظهر سريعاً وبقوة… تختفي سريعاً وبخسة!

من بين تلك القائمة: «أسد القادسية. أسد الإسلام. أسد العروبة. أسد خرتيت. أسد الخليج. أسد الرافدين. أسد الحق. أسد الشام. الأسد الكاسر»، وللأسف لم أعثر على «أسد طمبورها»! ولربما عموم تلك الأسود هي في النهاية تندرج تحت هذه التسمية الفكاهية الساخرة المنتشرة بين الناس». ولن يواجه أي من المتابعين لنشاط تلك الأسود وواجهاتهم الإعلامية صعوبة في فهم الفكر الأسود والسلوك العدواني الشرس لكل ما هو جميل في الحياة. فهم ينشطون ويستميتون في إشعال حريق الفتنة والتأجيج لمجرد علمهم مثلاً بوجود لقاء أو نشاط أو برنامج وطني اجتماعي يجمع أبناء السنة والشيعة. هنا، يتطاير الشرر من عيون «الأسد» ليزأر بقبح، مذكراً بالخلافات التاريخية وقائمة العداء من شتم الصحابة وأمهات المؤمنين واستحالة الأخوّة مع الكفار والمشركين والمجوس، ويحذّر من أن كل مشاعر المحبة والأخوة والإنسانية إنما هي المحرمات المشددة في الإسلام (والإسلام منه ومنها بريء)! وأنه لا يجب إطلاقاً أن يكون هناك تلاقٍ وتزاور وتزاوج ومودة بين الطائفتين. وليس ذلك فحسب، بل يسهر الليالي الطوال في إنتاج المقاطع المتلفزة الرديئة شكلاً ومضموناً، وينتج الكتب الإلكترونية سخيفة المحتوى هابطة الأخلاق وينشرها، ويدعو باسم كونه «أسداً» إلى أن يهبَّ الناس: «أيها الناس… أيها القوم. أيها الشرفاء. قوموا إلى المنكر وأحيوه… وواجهوا المعروف ودمروه… عليكم أيها القوم أن تشربوا أكبر قدر من الدماء… ففي ذلك حياتكم». والغريب، أنك لا تجد من العقلاء والشرفاء الحقيقيين من يحذّر من أمثال هؤلاء إلا القلة القليلة، سواء من المشايخ المعتدلين أو من الناشطين السياسيين والمثقفين ذوي الروحية الوطنية الحقيقية. وهم، إن فعلوا ذلك، فتحوا على أنفسهم أبواب جهنم تشهيراً وتسقيطاً وشتماً وازدراءً وتهديداً بسفك الدماء.

وعلى أي حال، فماركة «بو أسد» التي ابتليت بها المجتمعات الخليجية، وإن حظيت ببعض الرواج فترة من الزمن، إلا أنها تنكشف سريعاً ويتحول صاحبها الأسد إلى مرمى (نمور) آخرين من قومه! فلمجرد خلاف يقع بينه وبينهم، حتى ينشق النمور ويبدأون في تنفيذ المسلك الدنيء ذاته، فيستخرجون ما يستخرجون مما يملكون من معلومات وفضائح ومواقف خبيثة سيئة، ليرجموه بها، زأر وإن لم يزأر.

كمحصلة نهائية، وجدت أن أنسب شرح علمي لماركة «بو أسد»، هي نظرية عالم النفس والاجتماع ديفيد كلارك، الذي يصنفهم ضمن الانحراف السيكوباتي العدواني، حيث يتميز هؤلاء بالهياج والعنف والقسوة وكثرة الشجار، وهم في الغالب من غير المستقرين وأصحاب الميول السادية والمجرمين وذوي السجلات الحافلة بالفساد والإجرام ومدمني الخمور والمخدرات، وممن تربوا في بيئة طائفية بغيضة! فبئس للنعاج التي ارتضت مثل هؤلاء أسوداً.

سعيد محمد سعيد

«أرزاق» شيوخ الطين!

 

لا يجب بأي حال من الأحوال، أن نشنَّ هجوماً ونقداً لاذعاً لمن يسمون أنفسهم (شيوخاً وعلماء طين) ممن يكسبون رزقهم من إثارة الفتن والنعرات الطائفية بين أبناء الأمة الإسلامية طالما أن رزقهم هذا يضمنه لهم ولي الأمر! فالأولى ثم الأولى أن توجه الانتقادات والأقلام والكتابات وتأليف الكتب والأبحاث والدراسات إلى أولياء الأمر الذين «يدسّمون» كل «شيخ طين» أجاد دوره في بث الفتن… أليس كذلك؟

ولعل السؤال الذي يطرح نفسه بتلقائية هو: «إذا كان أولياء الأمر من حكام الأمة لا يرتضون إثارة الفتن والعصبيات المذهبية ويشمرون عن سواعدهم بغضب ليحذروا من يقع في ذلك المستنقع من علماء الطين؛ لماذا إذن نجدهم في كل البلدان الإسلامية يسرحون ويمرحون ويقربهم هذا السلطان وذاك الوالي وهذا الرئيس؟ أليس للحكومات هنا دور مشجّع؟».

ومن بين الإجابات المقنعة ردّاً على ذلك السؤال، ما قرأته من أطروحات جميلة للباحثة والكاتبة والإعلامية السعودية نوال موسى اليوسف في حوار عميق مع مركز آفاق للدراسات الإسلامية، ففي تعليقها على قرار إغلاق القنوات التي تثير الطائفية، تشدد على أن ذلك القرار ليس كافياً لمنع استشراء الكراهية وإثارة النعرات الطائفية؛ وذلك لأن هذه الأزمة الطائفية منذ نشأت لم تتقهقر بفعل تطور الأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وبفعل تطور المجتمعات الإنسانية في العالم الثالث وتطور الحضارات وإتقانها، بل إن هذه الكراهية قابلة للعديد من الاحتمالات التي يمكن أن تتعدّد السيناريوهات المستقبلية للأوضاع في العالم الثالث.

اليوسف وضعت السيناريو الأول وهو بقاء وازدياد قدرة ذوي النعرات الطائفية على السيطرة على زمام الأمور وخصوصاً من جانب المتطرفين والمتشددين، بالإضافة إلى عدم اتخاذ إجراءات حاسمة لمكافحة الطائفية من قبل الحكومات في العالم الإسلامي. فالباحثة كانت مدركة لدور تلك الحكومات بل وأضافت اليها حالة فقدان الثقة بحكام ورؤساء الأنظمة العربية والإسلامية، وانخفاض درجة ومستوى القبول العام بهذه الأنظمة حول العالم العربي والإسلامي، وارتفاع وزن الجهاديين والمتطرفين نسبيّاً وخصوصاً لفئة القوى الإسلامية والفكرية والإعلامية المتشددة، وزادته أن موروث العالم العربي الثقافي لايزال رهين النظرة الأحادية للأنظمة الأحادية، والدين والمذهب الأحادي، والفكر والثقافة الأحادية، ولا يتعامل مع التعددية إلا من خلال الخطب وعلى منابر المؤتمرات والإعلام، وطالما بقيت هذه الأحادية؛ فإن تحقيق العدالة والمساواة بين السنة والشيعة وغيرهم من مكونات التنوع في العالم العربي والإسلامي سلبية في الوعي العربي، لكن هذا التغيير يمكن أن يحصل إذا كان هنالك وعي سياسي لدى الشعوب ولدى قادتها على الأمد القريب والبعيد. (انتهى الاقتباس).

النظرة الأحادية هي أيضاً ملاذ «شيوخ الطين» الذين أسهموا ولايزالون في مضاعفة البلاء في المجتمع الإسلامي، وهم عادةً يصفقون لأولياء نعمهم ولا ضير في أن ينكّلوا بالناس أشد التنكيل، ولعلني أشير إلى وصف شيوخ الطين أولئك من محاضرة قديمة للمرحوم الشيخ الشعراوي متوافرة على «اليوتيوب»

فيها من بين ما قاله (رحمه الله): «خطباء الفتنة الذين رآهم رسول الله (ص) تقرض شفاههم بمقارض من نار، فسأل: من هؤلاء يا جبريل؟، فقال هم خطباء الفتنة الذين يبررون لكل ظالم ظلمه، ويجعلون دين الله خدمة لأهواء البشر، وهؤلاء هم الذين يحاولون أن يجعلوا للناس حجة في أن يتحللوا من منهج الله، فهم يبررون ما يقع، ولا يدبرون ما سيقع… ذلك أن الدين ليس لتبرير أهواء البشر لكن الدين هو لتدبير أمور البشر.

إنهم، أي شيوخ الطين، من الخبث بحيث شجّعوا آخرين معهم للسير في ذلك الفكر الخبيث أيضاً، ليضاعفوا حريق الفتنة الطائفية في المجتمع ويستوردوا بضع أفكار تعينهم على ذلك.

المفكر البحريني علي محمد فخرو، في مقاله القيم: «الانتهازية السياسية في خدمة الفتنة الطائفية»، («الوسط»، 15 مارس/ آذار 2013)، قدّم نصّاً يختصر علينا المسافات: «أن ينجح أمثال المستشرق الصهيوني برنارد لويس في إقناع الدول الاستعمارية الغربية بالعمل الدؤوب لتأجيج الصّراع المذهبي العبثي السنّي – الشيعي فهذا أمر مفهوم ومنطقي! فمن خلال استبدال الصّراع العربي – الصهيوني بالصّراع الطائفي في داخل الإسلام، يعيش الاستعمار الصهيوني في فلسطين المحتلة في سلامٍ وأمن، ويزداد قوةً وتركيزاً في التربة العربية، ومن خلاله أيضاً ينشغل العرب عن المؤامرة الاستعمارية للاستيلاء على ثرواتهم والوجود العسكري والسياسي في أرضهم، وهكذا تكتمل حلقة إبقاء العرب في حالة ضعف وتخلُّف وتمزُّق، وإبعادهم عن مشاريع الوحدة العربية والاستقلال القومي والوطني وبناء تنمية إنسانية شاملة بالاعتماد على قواهم الذّاتية».

لكن حري بنا أن نتعمق فيما قاله فخرو لنعرف خبث مصدر أرزاق شيوخ الطين في قوله: «أن يمتدّ ذلك الفكر الاستشراقي الخبيث، وذلك المنطلق الخطر لأن يتبنّاه بعض العرب وبعض السَّاسة والمفكرين في مؤسسات المجتمعات المدنية، وأن تنفخ في تأجيجه باستمرار، فوق منابر المساجد والفضائيات التليفزيونية، أشكال من القوى السلفية المتزمتة دأبت منذ قيامها على تكفير من يخالف مدرستها الفقهية ومن تعتقد أنه لا ينتمي إلى جماعتها، أن يمتدّ بهذه الصورة المفجعة التي نراها ماثلة أمامنا وبهذا الانتشار الواسع؛ فإنه يصبح كارثة دينية وقومية وأخلاقية… لنتذكر أن الغرب لديه تجربة تاريخية غنيّة في حقل الصراعات الدينية والمذهبية بين مختلف كنائسه المسيحية، وخصوصاً بين الأتباع الكاثوليك والبروتستانت… لقد استمر ذلك الصّراع عندهم سنين طويلة، وقاد إلى موت الملايين، وأكل الأخضر واليابس وأفقر الأوطان والعباد. تلك التجربة هي التي يراد إحياؤها اليوم في أرض العرب والمسلمين». (انتهى الاقتباس).

إذن، ذلك الرزق الخبيث الذي يحصل عليه شيوخ الطين من أولياء أمرهم، يوجب أن ننظر إليه باشمئزاز ورفض؛ لأنهم يأكلون خبيثاً ويريدون لنا – عنوةً – أن ننصاع لأفكارهم الشيطانية… فتعساً لهم ولمن يمدهم بالمال.

سعيد محمد سعيد

أدخلتم السرور على «إسرائيل»!

 

هكذا يبدو المشهد في العالم العربي والإسلامي… المسألة أكبر بكثير من صراع مذهبي بين سنة وشيعة… أو بين الإخوان المسلمين وسائر التيارات… أو بين تيارات سياسية في الوطن الواحد… فمهما تعددت الأسباب المعلنة وكبرت واتخذت عناوين فضفاضة؛ فإن ما يحدث في وطننا العربي، خلاف المطالبات المشروعة بالحقوق والعدالة والنضال من أجلها… كل ما يحدث غير ذلك، هو إدخال السرور على «إسرائيل» التي تشرب نخب فرحة الانتصار وهي تشاهد العرب يتقاتلون ويدمرون بلدانهم من أجل أمنها هي… استقرارها هي… سلامتها هي… هي ومن خلفها الولايات المتحدة الأميركية.

العرب، سواء من الحكومات الموالية لأميركا، أو المجاميع الشعبية التي تقودها جماعات وشخصيات ورموز موالية لإسرائيل وأميركا بخداع الشعارات والأموال والوعود الضخمة؛ يمرون بمرحلة غاية في الخطورة، وهي باختصار أخطر من خطورة عملية السلام والاستسلام! هي اليوم يمكن تسميتها بمرحلة الانبطاح لتدوس اميركا واسرائيل على بلاد العرب (أوطاني)… من الشام لبغدان، ومن نجد الى يمن الى مصر فتطوان!

من حق كل الشعوب العربية أن تطالب بحقها وتنتزعه انتزاعاً من الحكومات المستبدة، أيّاً يكن انتماء حكوماتها المذهبي، ومن حقها أيضاً أن تشارك في صنع القرار السياسي وفق مشاركة دستورية تضمن للجميع حقوقهم وتضمن في الوقت ذاته العدالة الاجتماعية والاستقرار والسلم الاجتماعي، لكن أن تتدخل دول وتضع قبضتها بقسوة فتحرك من تحرك وتصرف من الملايين ما تصرف وتسلح وتفتح الساحة لاقتتال بين أبناء الوطن الواحد، وتنقل هذا الاقتتال لاحقاً الى دول جوارها، وتُطعم وتُسمن وتُسلِّح حملة السلاح من الإرهابيين والمرتزقة ومصاصي الدماء، فهذا دون شك، لا يمكن أن يكون حماية للدين الإسلامي ولأمة الإسلام! هي حالة من (حفلة زار) تُطرب اسرائيل والغرب في حرب بالنيابة عنهما وعن أميركا وعن مصالحها في المنطقة… هي حرب على الأمة بسفك دماء أبنائها بيد بعضهم بعضاً وليست حرباً ضد الكيان الصهيوني.

ما يحدث في منطقة الخليج العربي، وفي العراق وسورية والسودان ولبنان واليمن ومصر وبلاد المغرب العربي، بل وفي باكستان والشيشان وإيران… أضف الى كل ذلك (دولاً قابلة للضم)، هي عملية استغلال لحركة الشعوب العربية المطالبة بحقوقها ضمن موجة (ربيع المطالبة بالحقوق وبناء الأوطان)، لتخرجها من مسارها الذي لا يعجب الغرب المتشدق بالديمقراطية والعدالة وحقوق الإنسان والتقدم… فتلك أمور يهتم بها الغرب وأميركا تحديداً لشعوبهم فقط، لا لشعوب العالم العربي والإسلامي وليست ضمن دعواتها في دول العالم الثالث أصلاً… ولهذا، كان شيخ الأزهر أحمد الطيب محقّاً حين قرأ مبكراً في يناير/ كانون الثاني من العام 2011 الشرور التي ينويها الغرب! ففي لقائه مع وفد من مجلس الشئون الخارجية الأميركية بحضور 23 شخصية بارزة من أعضاء المجلس برئاسة الأميركي هاورد كوكس، صرح بشكل مباشر، بأن هناك مخططاً صهيونيّاً يهدف الى تمزيق العالم العربي (حتى تصبح إسرائيل هى الدولة الكبرى والمتحكمة فى المنطقة).

وبالتأكيد؛ هناك دول في المنطقة اتخذت قرارها بأن تكون عوناً للأميركان في سبيل ضمان أن تقوى الدولة الصهيونية وتتقدم، وتتمزق الأمة العربية وتتهاوى! فلم نجد من تلك الدول أية مواقف واضحة ضد الحملات الغربية المستمرة التي بدأت بالإساءة الى الدين الإسلامي ولنبي الأمة محمد «ص» برسوم كارتونية وأفلام وكتب، فيما كان دورهم مرضياً لأميركا ولإسرائيل بإشعال الفتن والاقتتال الدموي بين أبناء الأمة! ولم يكن لتلك الدول دور حقيقي تجاه القضية الفلسطينية ومجازر غزة وتهويد القدس وانقسام السودان، لكنها قوية جدّاً وجاهزة لتقسيم المنطقة العربية وتنفيذ المخططات الأميركية لصالح اسرائيل.

الدول العربية والإسلامية عليها مسئولية تاريخية اليوم، وهي أن تتحدى أعداءها الذين جعلتهم أصدقاء لها واستسلمت لهم! وليس أفضل من أن تقترب من شعوبها وتحقق مطالبها الدستورية المشروعة التي تصب لصالح الأوطان والمواطنين لا لصالح أميركا واسرائيل، ولا أدري، هل سيتمكن شيخ الأزهر من تحقيق أفكار طرحها مع الأميركيين أو سيسمحون له بتنفيذها أم هي مجرد حبر على ورق حالها حال كيان الجامعة العربية! فكما قال الطيب، فإن الأزهر الشريف يعمل جاهداً على دعم الوحدة الوطنية وتحقيق التقارب بين المذاهب الإسلامية ومد جسور التفاهم والتلاقي بين الإنسانية… وهي كلمات لها وقع طيب في نفوس المخلصين للأمة، وبلا ريب، هي لا تعجب أعداءها الذين يهمهم أن تكتمل الفصول لكي يضاعفوا نخب الانتصار حين، لا سمح الله، يتمكنون من تنفيذ مخططهم الخبيث بتمزيق الأمة بشكل نهائي.

سعيد محمد سعيد

نفر… كبير!

 

تُرى، ما الذي يمكن أن يحصل حينما تتحدث الشخصيات البحرينية من تجار وعلماء دين وأساتذة جامعات وإعلاميين وكتّاب وينقلون إلى كبار المسئولين في الدولة حقيقة الأوضاع في البلد؟ وما الذي يريده المسئولون؟ هل يريدون الإصغاء فقط لكلمات الترحيب والمديح والإطراء، وأن كل شيء على ما يرام مصحوباً بقائمة مملة متعبة مجوّفة من العبارات المكرّرة ذات الطابع النفاقي؟ أم يريدون من أولئك أن يكونوا على مستوى المسئولية الوطنية وأن يتحدثوا بصراحة، وينقلوا هموم الناس ومعاناتهم وشئونهم دون استخدام مفردات التملق السيئة؟

ثم، ما الذي يمكن أن يصيبهم فعلاًً إذا فعلوا ذلك لوجه الله ومن أجل الوطن والمواطن؟ وهل من المعقول أن كبار المسئولين لا يستمعون فقط إلا لكلام دغدغة العواطف؟

وإذا قال قائل: «المناصحة في السر»، من قال له إن الناصح بإمكانه الوصول «بالسر» والجلوس مع كبار المسئولين «بالسر» ومناصحتهم «بالسر»؟ وكيف أيقن أن الأبواب مفتوحة فعلاً وليست مجرد تصريحات صحافية؟.

بصراحة، وأرجو من الجميع أن يمعنوا النظر فيما سأقول، هو أننا في المجتمع البحريني، ومع شديد الأسف، وجدنا في «بعض» الشخصيات البحرينية سلبيةً لا مثيل لها، وقلّما.. أقول قلّما.. تجد واحداً منهم، حين يلتقي بكبار المسئولين في الدولة، ينقل الحقائق ويتحدّث عمّا يصلح العباد والبلاد؟

«كلش كلش.. يراكض على روحه وعلى ربعه!» وهذا فعل شائن قبيح وقد انتشر بشكل كبير، وأصبح المواطنون، من الطائفتين الكريمتين ومن كل الطبقات، يشعرون بأن هناك مداً متوالداً هو ذاته، يصل إلى المسئولين، وبدلاً من الكلام النافع، يكتفي بالتطبيل!

ألا تحتاج البلد، ويحتاج كبار المسئولين، إلى من يكون صادقاً في ولائه لهذه البلاد العزيزة ويسعى لخيرها وخير أهلها جميعاً، ويمتلك الشجاعة لوجه الله، لكي يقول الحقائق التي «تُعمّر» ويترك النفاق والتملق الذي «يُدمّر»؟ أليس من الخطأ الجسيم أن يشجع بعض المسئولين نماذج التمصّلح وذوي الولاءات الوطنية التجارية الذين لا تهمهم إلا مصلحتهم الشخصية ومصلحة من يلف لفهم؟

يبدو المشهد في غاية «الوجع»، حين تجد شخصيات بحرينية لها مكانتها، تجلس في حضرة مسئول كبير ولا ينطق لسانهم إلا بما يرون أن فيه «السلامة»!

فإذا غضب المسئول، حسب ظنهم، فعليهم السلام؟! يا جماعة، ليس بالضرورة أن تتقيد شخصيات عليها مسئولية شرعية ودينية ووطنية بفكرة أن هذا المسئول قد يذيقهم الويل إن قالوا قولاً صريحاً عن أوضاع الناس.

أصلاً المسئول الصادق الحريص على الوطن يهمه أن يستمع بكل صراحة إلى الحقيقة، لا إلى النفاق والتلوين والحرص على تحقيق مكسب شخصي، والمسئول الذي يقرب أولئك النفر إنما يشجّع شكلاًً من أشكال الفساد.

نصيحتي لهذا النوع من المسئولين:

شخصيات النفاق… أقصى ما تستطيع فعله هو أنها «تكشخ وتتزقرت ليك… وتقص عليك).

***

يستطيع بعضهم أن يتحدّث عن الأوضاع السيئة جداً في «هونولولو»، ويخطب آخر على منبره ويبكي على الأوضاع في «الواق واق»، ويقتحم أحدهم، وبكل شجاعة أوكار الدعارة في لاس فيغاس، ويزبد رابع في الصحافة وفي المجالس عن معاناة الناس في «كنفاشاريا»، ويبكي خامس على الفساد في «باتستونا»، لكنه «ما عمره» تحدّث عن معاناة أهل بلده؟ وصدق صاحب الأهزوجة الشعبية :»راحت رجالٍ ترفع الدروازة.. جتنا رجال المطنزة والعازة.. راحت نساءٍ همها في عيشتها.. وجتنا نساءٍ همها في كشتتها».

***

أما المستشارون في الوطن العربي، وعموم الدول الإسلامية، فهم في غالبهم، بعيدون عما يمليه عليهم دورهم الحقيقي!

بالمناسبة، قرأت للكاتب غسان شربل مقالاً جميلاً بعنوان: «مستشار حليف الإعصار»، ولعل القارئ الكريم يتلقى الفكرة بكل دلالاتها من فقرة واحدة كتبها شربل تقول: «ليتنا نعرف ما قال المستشارون للحكام الذين دهمهم الإعصار.. ليتنا نعرف ما دبّجه قادة الأجهزة قبل وصوله! سألت السيد المستشار إنْ كان نَصَحَ الحاكم، فأجاب مبتسماً: كنت أحاول أن أمرّر إشارات خجولة وبعيدة لكنها لم تستوقفه، والحقيقة أنه اختارني لأمدحه لا لأنصحه. أشعرني منذ اللحظة الأولى بأنه يعرف ما لا أعرف، وبأنه جائع دائماً إلى المزيد من المدائح.

يخطئ الحاكم حين ينام على حرير التقارير ومدائح المتملقين. الطمأنينة المفرطة تعني انتظار الانهيار. والمستشار الذي أعماه الولاء الكامل…

حليفٌ للإعصار».

سعيد محمد سعيد

«طمبورها»… لكن «دلدغني» يابو الهريس!

 

دوناً عن كل شعوب الخليج، يمتلك الشعب البحريني ميزة فريدة في التعبير بخفّة دمه حتى في أشد الأزمات كالتي نعيشها! ولربما من بين أكثر العلامات البارزة هنا، استخدام بعض المفردات والمصطلحات الشائعة بأكثر من لهجة شعبية محلية، أو توظيف كلمات وعبارات من اللغة العربية الفصحى لتعطي، زعماً، دلالة على موقف أحد الأطراف في الحوار أو النقاش السريع أو الحاد.
وهذه الميزة ليست أمراً مذموماً… صحيح، تتسبب بعض تلك الكلمات في إثارة الغضب وحرق الأعصاب في بعض الأحيان، فيما تكون في أوقات أخرى سبباً في تلطيف الجو وإشاعة لحظة فكاهة تزيل الكثير من التشنج بل وتفتح المجال للتفاهم. وأتكلم هنا عن الحوارات والنقاشات بين عامة الناس البسطاء في مجالسهم ومقاهيهم وأعمالهم، وعلى العموم، كثير منها ليس سيئاً إن جاءت في سياق محترم مهذب لطيف، لكنها لا تصلح أبداً لأجواء السياسيين والرسميين أو أولئك الذين يتعاملون مع بعضهم البعض، وبشكل مسبق، بسوء نية.
بعض تلك الكلمات تأتي مفاجئة ومباغتة حينما يتكلم مواطن عن موضوع لا يمكن أن يتحقق ويبقى في حيز التصريحات الفضفاضة في الصحافة على ألسنة المسئولين أو من ضمن الوعود الحالمة التي تتكرر وتتكرر منذ سنين دون أن تجد لها محلاًً في التطبيق على أرض الواقع. قد تجد مواطناً يقرأ عنوان صحيفة من قبيل: “المشروع الفلاني يُقام على مساحة شاسعة ويضمن 2000 وظيفة للمواطنين”، فتجده يعلق: “طمبورها… من سنين وبنين نسمع عن هالمشاريع.. لا هي تحققت ولا احنه اشتغلنا”.
ولربما كان الأمر يتعلق بالوضع السياسي من قبيل أن المواطنين سواسية في الحقوق والواجبات، وأنه ليس هناك أحد فوق القانون، وهناك توجهات للحفاظ على اللحمة الاجتماعية والأمن والسلم الاجتماعي وعدم السماح للطائفيين في مجتمعنا الذي يؤمن بالتسامح والتعايش، ولكون هذا المواطن أو ذاك قد شبع كثيراً من مثل هذه التصريحات التي يشوبها الكثير من “الجمبزة” في التطبيق على أرض الواقع فتجده يعلّق بتلقائية: “دلدغني يا بو الهريس”، في إشارةٍ إلى أن مثل هذه التصريحات لا تعدو كونها دغدغة مشاعر.
وفي كثير من الأحيان، تجد مواطناً وقد خرج من إحدى الجهات الحكومية الخدمية بعد أن أنضجته المعاناة من تأخر معاملته فيصرخ: “وين عيل الكلام عن تيسير إجراءات المواطنين وتطوير الأنظمة وسرعة الإنجاز… بقبق”.
خذ مثلاً، حين يستمع مواطنٌ لمسئول أو نائب أو خطيب يتحدث عن المدينة الفاضلة، وأن مستوى المعيشة للمواطن أفضل بكثير مقارنةً بدول مثل بنغلاديش والصومال ونيجيريا وجزر القمر… هنا، ليس غريباً أن يعبّر ذلك المواطن بامتعاض قائلاً: “أقول استريح بس”.
هذا النوع من المفردات ما عاد مقتصراً على النطق اللساني في انتشاره، بل مع الانتشار الكبير لاستخدام وسائل الإعلام الجديد والتواصل الاجتماعي، فقد انتشرت ظاهرة استخدام الوسم (هاش تاق) في حسابات التغريد (تويتر) فتجد مثلاً أن هناك مغرداً اعتاد على كتابة تغريدات فيها تهديد ووعيد وإرعاب وإرهاب بالويل والثبور، فتنتشر بعض الهاشتاقات من قبيل: #يمه- خفنا في الرد على ذلك المغرّد، أو أخرى من عينة: #عدال- يلخطير، وربما وجد أحد المغردين فرصةً للرد على كل تلك التهديدات والأسلوب الهمجي وتوعد الآخرين بأنه سيصل إليهم وسينالون جزاءهم بأسلوب فكاهي مستخدماً بعض الأوسمة من قبيل: #المحقق-كونان، أو #صادوه-شارلوك-هولمز.
ولا بأس إن جلس أحدهم ليلقي على مسامع المواطنين الذين تواجدوا حوله سواءً كان ذلك في محاضرة أو في مجلس أو في العمل، الكثير الكثير من المعلومات التي ما أنزل الله بها من سلطان، فيتفاجأ بأحدهم وهو يشكره على هذه المعلومات القيمة، لكنه يختمها بعبارة: “درر… والله درر، عطنه من الأزرق”، في تعبير عن حجم الكلام المنفوخ الذي لا يمكن تصديقه.
من العبارات التي انتشرت في التعليق والتعقيب على أمر جلل يقوله فلان المسئول أو علانة النائب أو فلتان الصحافي دون أن يدرك بأنه إنّما يضحك على عقول أناس هم أكثر منه وعياً وإلماماً بالأمور، فلا بأس إن وجدت أحدهم يناقشه ثم يعلق بالقول: “لزوم نبلغ الشيخ بالسالفة”.
أيضاً، على حسابات الأنستغرام وفي مجموعات الواتس أب، أصبح الناس يتناقلون التعليقات المصوّرة، فتجد أحدهم يضع صورة مسئول يرفع سبابته وعينه محمرة ويكتب تحتها: “صيروا أوادم أحسن ليكم”، أو يضع صورة أو رسماً كاريكاتيرياً لشخص جيوبه (دالعة لسانها) يكتب تحتها: “ما في زيادات يعني؟”، ولربما ضحكنا كثيراً من صورة جميلة لطفل في يده مضرب بيسبول وتحتها عبارة: “ستندمون”، أو طفل صوّره أحدهم وهو يجلس في مقلاة على فرن وتحتها عبارة: “أمي مشغولة بالواتس حسبتني أنا الدجاجة”.
على العموم، فإن التنفيس بالفكاهة اللطيفة المهذبة أمر لا بأس به خصوصاً في المجتمعات التي تعاني من حزمة مشاكل سياسية واقتصادية واجتماعية، وليت في الإمكان أن تسبق تلك الفكاهة حسن النوايا بين الناس فتصفو نفوسهم وقلوبهم ويتقبلون بعضهم البعض. وقد وجد بعض علماء النفس أن هناك ما يسمى بالـ “نكتة المواتية”، وهي تعبيراتٌ فكاهيةٌ تنتجها الأزمات والمحن والظروف المعيشية الصعبة. إذن، لا بأس يا جماعة من أن نراقب كل شيء حولنا، بكل إحباطاته وتعقيداته وسواده بالطرفة اللطيفة حتى لا نموت كمداً ناقصين عمر.

سعيد محمد سعيد

الأبله… الرشيد!

 

يُحكى أن رجلاً أبله عاش في زمنٍ يُقدم فيه العبيد ويُؤخر الأحرار، أراد أن يحرر العبيد مما هم فيه من خنوع وخضوع وسقوط وسوء حال، وأجمع أمره على أن يجعل من نفسه ومن أولئك البشر أناساً لهم كرامة وعزة، فيعلم السلطان ما يعلم مما آل إليه أمرهم، لكنه كان يخشى أمراً واحداً فقط وهو أنه – في قرارة نفسه – يُدرك أنه لا يمتلك القدرة على أن يُحرر نفسه من سطوة العبودية، وليس في مقدوره أصلاً أن يتكلم عن حقوق الناس وشئونهم وشجونهم، ومع ذلك، ارتاح لفكرةٍ لمعت في رأسه.

خاطب نفسه ذات ليلة قائلاً: «فليكن… إن لم يحالفني الحظ، فعلى الأقل، سأكون قد أدّيت ما عليّ من مسئولية، ونصحت لأولئك الناس، ومن بينهم الأحرار أيضاً، لكنني أعلم علم اليقين، لا أنا ولا من خضع للعبودية منذ ولادته، نحب الناصحين. بيد أنني سأطلق صرختي الأولى وسأدعو كل الناس إلى أن يقولوا: لا».

لم تمضِ سوى ساعات قليلة على فكرته تلك، إلا ورجال السلطان على باب داره.

كان حينها مستيقظاً رغم أن الليل قد انتصف. طرق رجال السلطان باب داره بقوة ففزّ هلعاً وهرع نحو الباب يفتحه فإذا بكبير العسس يخاطبه: «يا للغرابة… نحن في منتصف الليل وأنت مستيقظ؟ عهدناك مذ عرفناك أبلهاً معتوهاً نائماً في سباتٍ عميق! فما الأمر الذي جعلك مستيقظاً متنبهاً حتى هذه الساعة المتأخرة من الليل؟ عموماً، تعالَ معنا فالسلطان يريدك على الفور».

السلطان! هتف الرجل الأبله فاغراً فاه مبحلقاً في عين كبير العسس الذي قاطعه: «نعم السلطان. هيا هيا… لا وقت لدينا»، حاول أن يستفهم الأمر وأن يتبين سبب طلبه في تلك الليلة، لكن العسس جرّوه جرّاً.

كان طوال الطريق، من داره إلى قصر السلطان يضرب أخماساً بأسداس: «ترى، ما الأمر؟ وما الذي حدا بالسلطان لأن يستدعيني في هذه الساعة المتأخرة من الليل؟»، وبلغ به القلق والخوف مبلغاً عظيماً حتى كاد يغمى عليه من شدة الهلع وهو يرافق العسس في الطريق فيرشّون وجهه بالماء ليفيق.

«سمعاً وطاعةً يا سيدي. هذا هو الأبله الذي أردته أن يمثل بين يديك. لم يكن نائماً كعادته، نعم كان مستيقظاً متنبهاً مسهداً يا مولاي… طلبت منا يا سيدي أن ننظر حاله إن كان نائماً أم مستيقظاً حال استدعائه فوجدناه نشيطاً لا أثر للنوم على وجهه». قال كبير العسس وحال الأبله لا يسر عدواً ولا صديقاً، يرتجف كسعفة في ليلة باردة الرياح. نظر إليه السلطان وابتسم: «هوّن عليك يا رجل. لِمَ أنت في هذه الحال من الخوف؟ هوّن عليك. يا غلام!

أحضر له شراباً ينعش قلبه. تفضل يا رجل. اقترب مني واجلس بجانبي مطمئناً مرتاحاً. هيّا تقدم».

شعر الأبله، بكل مشاعر الاطمئنان وهدأت نفسه. اقترب من السلطان فأجلسه على كرسي وثير بجانبه ثم بعد أن شرب شرابه سأله السلطان عن أحوال البلاد والعباد فقال: «مولاي. يسرك الحال… الرجال يمشون والدراهم تتراقص في جيوبهم، والنساء غاديات رائحات في الأسواق وهن يحملن العسل والفاكهة والسمن. والأطفال في السلطنة ينعمون بالصحة والعافية ويتعلمون ما ينفعهم. والتجار سعداء. الرعية في سعادة، بل حتى الحيوانات… حتى الحيوانات يا مولاي، سمينة مربربة من عظم ما تأكل من خيرات. الخير كثير يا مولاي. سلطنتكم تنعم بخير ما رأى الناس مثيلاً له أبداً».

ضحك السلطان ضحكة مجلجلة وقال: «جميل… رائع… يا لهذه الأنباء العظيمة»، ثم صمت برهة وصرخ بأعلى صوته: «وماذا عن العبيد أيها الأبله؟».

كانت صرخة السلطان، ومن شدتها، تكفي لأن ترديه قتيلاً لكنه تماسك عنوةً بعد أن سقط على الأرض يقبل أرجل السلطان: «أي عبيد يا مولاي أي عبيد. العبيد سيبقون عبيداً أبد الدهر. إن هم إلا كالأنعام… هم أرادوا ذلك… ثم يا مولاي لا عبيد في سلطنتك العامرة. هم ليسوا سوى سوقة… أو من ما ملكت أيماننا وأيمانكم يا سيدي».

رمقه السلطان بنظرة حادة وبعينين محمرتين: «هكذا إذاً… فلماذا أردت يا بُني أن تدعوهم لأن يقولوا (لا)؟ ولماذا؟ ولمن يقولونها؟».

ما أن أنهى السلطان كلامه حتى خرّ الأبله فاقد الوعي… حاول العسس أن يعيدوه إلى اليقظة فرشوا على وجهه الماء وخمشوا وجهه وسطروه و(فلصوه) فلم يستيقظ. هل مات الأبله؟ قال السلطان، فأجابه كبير العسس: «لايزال قلبه ينبض يا مولاي… فلم يمت». محاولة تلو الأخرى حتى استفاق الأبله مرتجفاً… في غفوته، كان هاتفاً يدور في رأسه متسائلاً: «كيف عرف السلطان بأمر (لا) وكل ما في الحكاية أنها فكرة دارت بين ثلاثة خلف جدران مغلقة: «عقله وقلبه وإبليس الرجيم»!

بعد استفاقته، أعاد كبير العسس عليه السؤال: «لقد سألك مولاي السلطان: من أولئك الذين ستدعوهم لأن يقولوا (لا)؟ هيّا أجب»، فما كان من الأبله إلا أن استحضر شيئاً من عبقريةٍ ما كان يملكها يوماً فقال: «سيدي السلطان…

أما والله إنني سأدعوهم لأن يقولوا (لا)… ولأنعمنك عيناً. أقسم عليك بما تحب، امنحني الفرصة لأن تسمع وترى بعينك يا مولاي ما سأفعله، ثم، لك رقبتي إن كان ما سأفعله لا يرضيك».

راقت الفكرة للسلطان رغم اعتراض كبير العسس فقال: «ستكون أنفاسك وخطواتك وخواطرك وأكلك وشربك ونومك وبلاهتك كلها تحت مرآي ومسمعي… وأيم الله، إن وجدتك في غير ما أريد… لآخذن الذي فيه عيناك».

خرج الأبله من قصر السلطان مع شروق الصباح متجهاً إلى داره عن طريق السوق. كان يعلم أن العسس في كل مكان، يحسبون أنفاسه قبل خطواته. وبينما هو كذلك، استعان به اثنان: «أيها الرجل… كن بيننا حكماً، لقد باعني هذا التاجر شوالاً من الشعير وقد وجدت نصفه فاسداً مغشوشاً، فهل من حقي أن أشكوه إلى قاضي القضاة أم لا؟»… فأجابه الأبله دون تردد: «بالتأكيد لا!». واصل طريقه فرآه قريباً له وتحدث معه قليلاً قائلاً: «لقد وعدتني يا نسيبي أن تصلح بيني وبين أهل زوجتي، وقد طال الوقت، هل ستعينني على الأمر أم… فقاطعه بسرعة قائلاً: «لا… طبعاً». شاهد في أحد الأزقة شاباً أرعن يتحرش بامرأة وهي تصرخ، جلس ينظر بعض الوقت وما أن أقبلت شرطة السوق حتى ولى ذلك الأرعن هارباً، فسأله أحد الشرطة: «تدّعي هذه المرأة أن غريباً اعتدى عليها… هل تشهد على ما رأيت؟»، فقال صارخاً مولياً: «لا … لا…

لا».

بُعيد أيام قليلة، جاءه كبير العسس مسروراً بالهدايا والأعطيات. جُن الرجل… ليس ذلك فحسب، بل دعاه كبير العسس بكل احترام وحنان ودلال ومياعة وجمبزة للقاء السلطان في التو واللحظة، وما أن رآه الأخير حتى هشّ في وجه وبشّ قائلاً: «أهلاً وسهلاً ومرحباً بالرجل الأبله الرشيد».

سعيد محمد سعيد

من يسرق أموال البلد؟

 

الإجابة عن السؤال الوارد في العنوان: «لا أحد؟!». بل ربما جاز لنا أن نقول أصلاً إن السؤال في أساسه خطأ في خطأ! فليس هناك أية سرقة لأموال البلد ولا أوجه فساد ولا تلاعب ولا عبث بالمال العام!

من يسرق أموال البلد؟ في حقيقته، سؤال من قبيل «طمبورها»! وأكثر ما يصيبنا كمواطنين بالحيرة والقلق، أن نؤمن بعبارة: «يوجد فساد… لكن لا يوجد مفسدون».

كيف ذلك؟ أقول إن الكثير من المواطنين وأنا منهم، يعلمون أن ديوان الرقابة المالية والإدارية أصدر حتى الآن تسعة تقارير سنوية يشيب لها رأس الطفل – كما يقولون – لشدة ما فيها من معلومات مهولة مذهلة حول التلاعب بالمال العام! ويا حسرة على تلك التقارير التي بذل فيها الديوان، مشكوراً بلا شك… مقدر الجهد بلا ريب، فهي – أي التقارير – تصبح مجرد حبر على ورق، في حين أن الوطن والمواطن على حد سواء، ينتظران أن ينال كل من عبث وتلاعب واستهان وتستر ولعب لعبته الدنيئة في أموال الشعب جزاءه الشديد الذي يستحقه… ووفق القانون.

وقبل أن استعرض بعض المحاور «الفسادية»، بودي أن ينتقل معي القارئ الكريم إلى شكل من أشكال الرفض الشعبي للفساد على مستوى الخليج العربي، فقد شارك الآلاف من المغردين الخليجيين في حملة أسموها «كلنا مفسدون»، ومن بين أولئك المغردين، الزميل المغرد والكاتب محمد العمري، ومما كتبه ساخراً: «لا أدري لو قُدّر لي يوماً أن أمسك منصباً من فئة «معالي» فهل سأكون فاسداً أم لا؟ وهل سيتجرأ زميلي حينها «معالي رئيس المكافحة» على وصمي بالمفسد؛ وبالتالي محاسبتي، أم أن الزمالة التي ستربطني به يومها ستجبره على غض الطرف عني والاتجاه إلى موظفي إدارتي الصغار والتنكيل بهم»!

أنا الآن مجرد موظف عادي، والكلام للعمري، وليست لدي أية فرصة «للفساد» بمعناه المتعارف عليه، وليس من صلاحياتي توقيع عقد بالملايين ولا الإشراف على أية مناقصة أو حتى التعاقد مع خبير ولا حتى مدرب لياقة أجنبي. كل ما يمكن أن «أفسد فيه» أشياء بسيطة، مثل مكنة التصوير التي أستغلها أحياناً لتصوير صفحات من كتاب الطهي لزوجتي «الفاسدة»، التي لا تحترم حقوق مؤلفة الكتاب «الفاسدة»، التي سرقت أغلب الطبخات من منتدى «حواء»، كما أقوم بتصوير بعض نماذج الاختبارات لأبنائي «المفسدين» الذين استطاعوا إقناع مدرسهم «الفاسد» بتزويدهم بمجموعة من الأسئلة التي لن يخرج عنها الاختبار، تحت نظر مدير ومالك المدرسة «المفسدَيْن» اللذين لا يهمهما سوى زيادة الأرباح. (انتهى الاقتباس).

هل يكمن الحل في إصدار التقارير الكاشفة للفساد والمفسدين، أم ملاحقتهم مهما كانت منزلتهم (الرفيعة في عالم الفساد)؟ ببساطة… سحبهم من آذانهم وتقديمهم إلى المساءلة القانونية ومن ثم إلى القضاء ليقول كلمته فيهم. وهذا ما طرحته حلقة نقاشية نظمتها الجمعية البحرينية للشفافية يوم (28 يناير/ كانون الثاني 2013) طالبت بضرورة قيام الحكومة والسلطة التشريعية ومنظمات المجتمع المدني والصحافة بتشديد القبضة على الفساد والمفسدين وفق ما ورد في التقارير التسعة من تجاوزات ومخالفات، مجمعين على «الخطورة الكارثية» لتجاهل حجم الفساد وتجميد التقرير في الأدراج، مع استمرار العبث بالمال العام وحماية المتورطين.

مع شديد الأسف، يبدو أن هناك تهاوناً واضحاً في ملاحقة الفساد والمتورطين فيه، ولا ندري لماذا تتهاون الدولة مع أعدائها وتغض الطرف عنهم! نعم، هم أعداء الدولة وأعداء المواطنين ولن نقول إنهم أعداء الدين «وإن كانوا كذلك»… فالذي يسرق أموال شعب ويعبث به هو بلا دين قطعاً!

حسناً… يستطيع أي مواطن أن يدخل على موقع ديوان الرقابة المالية والإدارية على شبكة الإنترنت ويشاهد الشريط المتحرك في زاوية أخبار وحوادث أعلى يسار الصفحة و (يمكن للمسئولين أيضاً أن يدخلوا إن أرادوا!)، ليقرأوا فيه، على سبيل المثال: «أغلب الجهات الرسمية لا تعرض وثائق مشترياتها على مجلس المناقصات»،… و «ممتلكات» ضخت 315 مليون دينار لـ «طيران الخليج» و «الحلبة» دون دراسات جدوى…»! و «سوق العمل» لم تتسلم رسوم تجديد تصاريح عمل بقيمة 7 ملايين دينار… «تنظيم الاتصالات» تحتفظ بفائض 1.2 مليون دينار من دون تحويله لـ «المالية»… «بابكو» تمرر مشاريع بـ 70 مليون دولار دون أخذ موافقة أصحاب الأسهم… والكثير الكثير الكثير.

أما في باب «الخطة الاستراتيجية»، يمكننا أن نقرأ عبارة غاية في الروعة تقول «رسالة الديوان… التحقق من سلامة ومشروعية استخدام الأموال العامة وحسن إدارتها»… يا جماعة! أفرحوا قلوبنا بتقديم المفسدين إلى المحاكم.

سعيد محمد سعيد

إعلام «المخابرات العربية»… الوقح! (2-2)

 

كان ختام المقال السابق مذيلاً بهذا السؤال: «هل ستتم مساءلة الإعلام الساقط وأبواقه وعناصره يوماً ما في الدول العربية التي فتتها الخطاب الوقح وأضر بنسيجها الوطني بتهمة (الإضرار المتعمد بالاستقرار الوطني والنسيج والسلم الاجتماعي؟)».

إذا عدنا إلى قوانين الصحافة والنشر في كل الدول العربية، سنجد أن هناك بنوداً بعقوبات على أجهزة الإعلام والإعلاميين والكتاب الذين يتسببون في إثارة الفتن الطائفية أو التعرض للنسيج الوطني والسلم الاجتماعي بما يمثل خطراً على المجتمع، ولكنها تبقى مجرد حبر على ورق! اللهم في حالة وجود إعلاميين وصحافيين وكتاب من المغضوب عليهم من جانب الأنظمة الحاكمة، فهؤلاء من السهولة أن يطبق عليهم القانون بحذافيره… وبلا رحمة!

وبالطبع، تنجو أبواق السلطات الإعلامية من المساءلة مهما كان خطر وجرم ما اقترفته وفق منهج إعلام المخابرات العربية القائم على أرذل مراتب الخسة والنذالة، وهو أمر يسيء إلى تلك الحكومات قبل أن يسيء إلى البوق ذاته.

هناك بالطبع عقوبة قد لا تؤثر بشكل شديد في عناصر الإعلام المخابراتي العربي «الوقح»، لكنها بمثابة موقف واضح من المواطنين الشرفاء الذين يجعلون تلك الأبواق في خانة «السفلة»! ثم، ولنعد إلى كل دول ربيع المطالبة بالحقوق العربية، سنجد أن كل الإعلاميين المخابراتيين والكتاب والفنانين والمثقفين زعماً… الذين استخدموا أساليب الانحطاط في مهماتهم الإعلامية وأصبحوا من المنبوذين المكروهين. زد على ذلك، أن أول من ركلهم بكعب قدمه هم أولئك الذين استخدموهم لتنفيذ مهمتهم الرذيلة.

ليس عامة الناس في الوطن العربي فحسب هم من استشعر ذلك الدور الحقير لأجهزة إعلام متواطئة لا خطاب لها إلا القذارة! بل حتى السياسيين…

فنائب رئيس حزب الحرية والعدالة في جمهورية مصر العربية رفيق حبيب، حذر من مخاطر إعلام الوقاحة بقوله في تصريحات صحافية متعددة: «إنها تستخدم أساليب التعبئة والحشد والسيطرة مثل تلك الأساليب التي استخدمتها أجهزة المخابرات والسلطات المستبدة عبر التاريخ، والتي تعتمد على التأثير النفسي وتضليل الرأي العام أحياناً وتشويه الحقائق أحياناً أخرى، وبث الاضطراب والشائعات». (انتهى الاقتباس).

إن الإعلام الوطني الصادق والحر، يجب أن يساعد على معرفة الحقيقة من دون التعرض للإشاعات المغرضة التي تكون أضرارها كبيرة، حيث تحرّض على العنصرية والمذهبية، وهنا، فإن غالبية الدول العربية، على رغم تطورها الإعلامي الذي حصل مؤخراً، إلا أنها مازالت تستخدم أسلوباً جامداً وقد يكون خشبياً في السيطرة على مضمون وسائل الإعلام فيها، وبعضها يستخدم الرقابة المسبقة على الموضوعات الحساسة، وبعض الحكومات تستخدم الرقابة المباشرة… وفي بعض المحطات العربية، تتحدد القيم الإخبارية في ضوء الاعتبارات الإقليمية سياسياً وثقافياً. وقد استخدمت الكثير من المحطات الفضائية العربية، هذه الأساليب لتشويه ثورات الشباب العربي وتفريغها من مضمونها.

الكلام السابق، طرحته الباحثة شذى ظافر الجندي في منتدى الحوار المتمدن، وهي متخصصة في العلوم السياسية وحقوق الإنسان ومكافحة الفساد والتنمية، وشددت في بحثها على أن الكثير من الحقائق تتشوه صورها أو تفقد أحقيتها وربما تتحول إلى صورة أخرى غير الصورة الحقيقية، كما هي الصور التي روجت لها بعض وسائل الإعلام عن ثورات الشباب العربي، التي ألصقتها وسائل الإعلام بهم بهدف تحويل حركات التحرر والمدافعين عن حقوق شعوبهم إلى عصابات مسلحة، وخارجين عن القانون، ومندسين، وعملاء للخارج. (انتهى الاقتباس).

لكن، هل يمكن أن تنجح أساليب إعلام ساقطة في مواجهة الشباب العربي وحراكه وإعلامه المتقدم فكرياً وتقنياً وحضارياً بديناميكية لا ينافسها (تخشب الإعلام الرديء)؟ هنا، نجد إجابة عميقة في مقال للمفكر البحريني علي محمد فخرو بعنوان: «الثورات نسور تحلق لا دجاج ينبش» (صحيفة «الوسط»- العدد 3800 – الجمعة 1 فبراير/ شباط 2013)، كتب نصاً: «إذا كان شباب العرب قد فجّروا ثورات وحراكات أبهرت أمتهم والعالم، فإنهم قد أخمدوا الكثير من وهج ما حقّقوه إبان الفترة الانتقالية، وهم مطالبون بأن يبدأوا مسيرة المراجعة والنقد الذاتي في الحال للانتقال إلى مرحلة التجاوز والعودة إلى متطلبات فترات الانتقال بعد الثورات، ولا حاجة لذكر التفاصيل، فهم يملكون الفهم والإرادة للتشخيص وللعلاج، لكننا نتوجه إليهم بهذا الطلب باسم تضحياتهم وآلامهم التي بذلها ولايزال يبذلها الملايين منهم، فكل ثورات العالم الكبرى ذرفت دمع الآلام والخوف والرجاء إبان فترات الانتقال، وثورات وحراكات ربيع العرب لن تهرب من هذا المصير، لكن الخروج من كل ذلك هو مسئولية الجميع، وسيحتاج إلى مراجعةٍ دائمة، بينما عيون الأمة لا تنظر إلا إلى الأفق الأعلى المتألق البعيد وليس من خلال غبار مسارات الهلع».

بالطبع، كلام بمستوى هذا الفكر العميق، لا يمكن أن تفهمه عناصر مخابرات الإعلام العربي الفاشل… وإن استخدمت كل وسائل تكنولوجيا التواصل، فلن تخرجها من خربتها العفنة.

سعيد محمد سعيد

إعلام «المخابرات العربية»… الوقح! (1-2)

 

أقصى ما استطاعت العديد من أجهزة الإعلام العربي الرسمية وتوابعها من مجاميع وحسابات تواصل اجتماعي وفضائيات ومواقع إلكترونية فعله في دول الثورات، وفق إجماع عدد كبير من كبار الإعلاميين والمثقفين العرب وكذلك الغربيين، هو أنها تمكنت بجدارة من أن تقول للمواطن العربي بلا حياء ولا خجل إنها «إعلام وقح موغل في الخزي»!

وبكل سرور وضيع، أحبت أن تظهر أمام الأنظمة التي تخدمها في صورة «إبليس الرجيم»، دناءة وسفالة وانعدام خلق وانحطاط إلى أدنى مستويات الخسة والنذالة.

ثمة ملامح وضيعة هي الأخرى مشتركة بين أجهزة إعلامية متعددة الاتجاهات في الوطن العربي، بعضها ذات صبغة رسمية ويتبع وزارات الإعلام، وبعضها الآخر متفرع منها وفق أسلوب «مجموعات الدعم والترانزيستر»، فيما بعضها الثالث له علاقة وثيقة بدول إقليمية وشخصيات وجماعات متشددة، وربطاً بذلك، أصبح الكثير من السياسيين والمثقفين الإعلاميين العرب يستخدمون مصطلح «إعلام المخابرات» في وصف أداء وأهداف ومهمات وأسلوب تلك الأجهزة التي بلغت في أكثر من دولة عربية، وعلى مسمع ومرأى ملايين المواطنين العرب، مبلغاً قذراً جداً في استخدام أسلوب الشتم وانتهاك الأعراض والتخوين والكلام البذيء والافتراء وتكتيك الفضائح المفبركة تقنياًً، للنيل من المعارضين والحقوقيين وقادة الرأي… حتى وصل الأمر إلى أن رئيساً مخلوعاً لإحدى الدول، لم يتوانَ لحظة في انتهاك أعراض «مواطناته»… في البلد الذي كان يحكمه! وقال كلاماًً عن نساء بلده لم يقله أي حاكم طاغية (غير مسلم) على مر التاريخ.

هكذا مستوى منحط من الخطاب الساقط في الإعلام العربي، لم يكن لينمو ويترعرع في وحل عفن لو لم يكن يتمتع بالدعم من الحكومات التي رضيت باستخدام منهج «إعلام التابلويد»، ولو كانت تلك الحكومات محترمةً أصلاً وتؤمن بتأثير الإعلام الممتلك للخطاب الوطني المحافظ على النسيج الوطني، والدافع في اتجاه الحفاظ على مصالح الأوطان بالكلمة المسئولة ودوره في الاستقرار السياسي والاجتماعي في آن واحد، لما رضيت أن تتعدد أدوار إعلامها السيئ وتوابعه – حتى في اللحظات الأخيرة التي سبقت سقوطها – كأجهزة إعلام زين العابدين بمسدس هالة المصراتي، وأنصار حسني مبارك بدفاع مرتضى منصور ووجبة تامر حسني في ميدان التحرير، وبوق المخلوع علي عبدالله صالح… عبدالرحمن فرحان، ومن لف لفهم، فالقائمة تطول.

بالطبع لم يقف المثقفون والإعلاميون والكتاب العرب المخلصون لأوطانهم مكتوفي الأيدي أمام هذا النمط الرديء من الإعلام الفاشل المستوحى من أفكار المخابرات البالية التي تعيش في غير زمان «شباب التغيير» في الوطن العربي طولاً وعرضاً، بل جاء التحرك مبكراً إثر قراءة دقيقة لمخاطر الانحطاط الذي تسير في طريقه الكثير من الأجهزة الإعلامية العربية! كيف؟ لنعد إلى شهر أبريل/ نيسان من العام 2011، حيث انعقد الملتقى الإعلامي العربي الثامن في دولة الكويت الشقيقة، وكان صريحاً في انتقاد هذه الممارسات، ووصف تعامل وسائل الإعلام العربية من خلال (تغطية ملونة لأحداث) الثورات ولجوئها إلى التعتيم على حقيقتها، وهو ما أثر على مصداقيتها لدى المواطن العربي، مشيرين إلى أهمية أن تتحول تلك الوسائل للأداء المتزن الذي يتميز بالمصداقية. ولعل أحد كبار الكتاب وهو الكاتب الصحافي سامي النصف أوجز كل ذلك بالقول حينها: «إن البلاد العربية بحاجة إلى تغيير، ولكن على الإعلام ألا يرتبط بالانتقام والتسويق الذي يعود بنا إلى مرحلة التأزيم وما صاحبها من إلقاء الناس في السجون وبيع أحلام وردية واستخدام الإعلام لتسويق الهزائم». (انتهى الاقتباس).

ولكن، إلى أي حد نجح «إعلام المخابرات العربي الفضائحي» في القيام بأدواره الخبيثة؟، والإجابة أيضاً طرحها في الملتقى وبكل وضوح، الإعلامي المصري وائل قنديل: «الإعلام العربي آخذ في التراجع، لذا أقام المواطن العربي إعلاماً خاصاً به حيث أصبحت وسائل الإعلام مجرد خوادم لأنظمة الحكم»، وتساءل عن تأثير المتغيرات العربية على الإعلام، لافتاًً إلى أن هذه المتغيرات بدأت تلقي بظلالها على الأنظمة لتعود بعد الثورة لتمجّد الثوار، مشيراً إلى خطورة هذا التوجه على الإعلام المصري في المراحل المقبلة».

بيد أن الكاتب السعودي يوسف الكويليت كان أكثر صراحةً بقول: «إن إعلام الدولة عبر السنوات الماضية، كان هو المسيطر تاركاً الأثر السلبي على الناس، وإن الشعوب العربية عاشت الإعلام المزيف والشعارات، لتوافر عناصر تشتري ذمم مجموعة من الصحافيين، الأمر الذي دفع الناس والشعوب إلى سب الإعلام المزيف». لكن بصيغة أخرى تحمل الانتقاد والتحذير في آن واحد، وضع الكاتب والإعلامي العراقي فايق الشيخ علي النقاط على الحروف بقوله إن عواصف التغييرات اجتاحت جميع الدول على مستوى العالم باستثناء الحكام العرب، فالاستعباد في الحكم ثابت والاستهانة بالشعب أيضاً، وهو ما أدى إلى ثورة الشعوب واصطدامها بالقوات المسلحة، حيث برز أن تهديد الشعوب لها شيء ثابت أيضاً، كما أن تزوير الانتخابات ثابت نتيجة قلة من المنتفعين من النظام.

هناك سؤال مهم: «هل ستتم مساءلة الإعلام الساقط وأبواقه وعناصره يوماً ما في الدول العربية التي فتتها الخطاب الوقح وأضر بنسيجها الوطني بتهمة الإضرار المتعمد بالاستقرار الوطني والنسيج والسلم الاجتماعي»؟…

للحديث بقية.