من ألقابها «الصبوحة و..شمس الشموس و..الشحرورة و..ست الكل و..الأسطورة » إنها الرائعة والجميلة والمطربة الراحلة «صباح»! التقيتها ثلاث مرات وجها لوجه والرابعة عبر لقاء تلفزيوني وسهرة مفتوحة على الهواء مباشرة بين تلفزيون الكويت ومحطة فضائية لبنانية مرة في بيروت وثانية في الكويت وثالثة في … القاهرة خلال الأسابيع الأولى للغزو الكويتي!!.
أوصت الراحلة بأن تشتمل جنازتها على الغناء والموسيقى وأن يودعوها بالطبول والزغاريد حتى إن الفنانة المصرية «لبلبة» بدت مصدومة ومندهشة وهي تحضر وداع «الشحرورة » في جنازة أشبه ..بالعرس! هذه هي «صباح» التي تشاجرت يوما مع المخرج «عز الدين ذو الفقار» أثناء تصوير مشاهد فيلمها الجميل «شارع الحب» مع العندليب الأسمر عبد الحليم حافظ وعبد السلام النابلسي ونور الدمرداش وحسين رياض وزينات صدقي!! ما سبب غضب الشحرورة ؟! كانت هناك لقطة يتوجب عليها أن تبدو «حزينة وتبكي» حين اكتشفت أن «عبدالحليم حافظ» أو »عبد المنعم» كما كان اسمه في الفيلم قد قرر أن يهجرها بعد ان اكتشف أنها تخدعه ولا تحبه!! كانت تريد أن تضحك وتفرح وتبتسم فقط لا تريد أن تبكي أو تحزن أو تكتئب حتى لو كان الأمر ..تمثيلا في تمثيل!!.
مقابلتي لها في القاهرة «كانت غير شكل» فقد وصلت «المحروسة» قادما من البحرين بعد خروجي من الكويت برا في 8/8/1990 أي عقب الغزو بأسبوع فكان أن أرسلتني السفارة الكويتية في القاهرة للسكن في فندق الميرديان المطل على النيل ..«أكل وشرب ونوم» لكن بلا مصاريف نقدية إذ لم تكتمل حكاية ما سمي وقتها بـ«الإعاشة النقدية» أو المرتب!! المهم كنت جالسا مع بعض الأصدقاء في «اللوبي» بعدها توجهت إلى المصعد ودخلته وقبل أن يغلق بابه «أشرقت الصبوحة بنور طلتها البهية»!! كانت إعلانات حفلة لها تملأ أرجاء الفندق فبادرتها بقولي :«مصر نورت يا ست الكل» فحصلت منها على ابتسامة ليس لها أول وليس لها آخر مع ضحكة مجلجلة وصافية تشبه صوت سقوط حبات من الألماس على أرضية من الرخام الإيطالي وقالت: «مصر منورة بأصحابها وأهلها» لكنني أردت جرها إلى المزيد من الحديث فقلت لها: «أنا كويتي لاجئ ومش مصري»!! غابت ابتسامتها المجلجلة فجأة- ولثوان- لكنها عادت إلى الإشراق من جديد وهي تقول:«تأبرني الكويت وكل الكويتيين».
ثم استرسلت في الحديث عن وضع الكويت وما جرى لها ونست نفسها حتى حين فتح باب المصعد ثم عاد للانغلاق ثانية ليصعد طابقا أعلى لم تكن هي تسكنه ولا.. أنا.
وجهت لي الدعوة لحضور حفلها في الفندق فقلت لها مازحا – إن سعر التذكرة يفوق قدراتي ككويتي لاجئ بعد احتلال بلدي وتحول بطاقات «الكريد كارت» التي معي إلى .. «نكاشة أسنان» لا أكثر ولاأقل! المهم ما ان انتهيت من كلمتي تلك حتى صرخت بلهجتها اللبنانية «ييييييه يا دللي ..يادللي .. تأبرني ويأبروني كل أهل الكويت أنا ما أنسى كرمكم معي سنين طويلة أنت معزوم الليلة في حفلتي وفي الصف الأول كمان»!! شكرتها وودعتها وكان آخر عهدي بها قبل أن أتحاور معها عبر تلفزيون الكويت بعد التحرير ببضع سنوات لكني لم أحضر حفلتها تلك في فندق «الميرديان» ..على الإطلاق!!
في لقائي معها بالعاصمة اللبنانية عام 1992 سألتها : «من بين أزواجك التسعة هل كان بينهم واحد.. كويتي»؟! ضحكت كثيرا والتفتت إلى الزميل اللبناني الراحل «ملحم كرم» «نقيب المحررين» وكنا في حفل عشاء بأحد المطاعم بوسط بيروت: «شو قصتك يا كرم؟ جايب لي صحافي كويتي ..خلبوص» وبالطبع كانت «الشحرورة» أذكى كعادتها من أن ترد على سؤال ..كهذا!! كانت تدعو ربها في سنواتها الأخيرة «أن يحبها ويرحمها ويأخذ روحها وهي نائمة حتى لا تشعر إلا وهي إلى جواره» فتتحقق دعوتها وتنظفئ شمسها وهي نائمة لكن صوت الألماس المتساقط على الرخام سيظل يرن في آذاننا عبر العصور .. والأزمان!!