يروى عن الحجاج بن يوسف الثقفي حين حضرته الوفاة إنه نادى ولده وأوصاه بالوصية الأخيرة قائلا له «لقد أثخنت أهل العراق بالجراح فلم أدع نفسا نظرت لي بسوء إلا وسلبتها من صاحبها وما سرت في طريق إلا وتركت خلفي أرملة وثكلى وقتلى فإن وافتني المنية فسر بنعشي بطريق مستقيم إلى المقبرة فإن صادفت منزلا فاهدمه وإن اعترضك مسقى فاردمه و..هكذا»!! مات الحجاج فنفذ الولد وصية أبيه وسار بالجنازة في طريق مستقيم حتى هدم مساكن ومساجد وردم مساقي وترع فصرخ الناس وهاجوا وماجوا وقالوا بصوت واحد «رحم الله الحجاج عن ولده» !كان الحجاج بن يوسف قد أوصى ابنه بذلك حتى يترحم عليه الناس إذ كان واثقا أن أحدا منهم لن يطلب له الرحمة لظلمه وبطشه فأراد أن يذيقهم ظلم وبطش ولده .. فيترحمون عليه وعلى أيامه الأقل ظلما وبطشا!! اختلف الفقهاء والرواة في هذه الحكاية وصحتها فمنهم من قال «ليس هو من فعلها» بل هو الخليفة عبد الملك بن مروان ومنهم من أكدها وقال: بل هو ..الفاعل والقائل.. والله أعلم !!
اسمها الدكتورة «لميس جابر» وهي كاتبة وأديبة مصرية وزوجة للفنان »يحيي الفخراني» وقبل ذلك هي طبيبة وكذلك زوجها وكانت إبان دراستها الجامعية «يسارية» واشتراكية و«طليعية» فشربت من أفكار المد القومي والناصري في الستينيات فكرهت الإنجليز والباشوات والملك والاحزاب المصرية قبل ثورة 23 يوليو 1952 حتى إنها كرهت «النحاس باشا» الذي كان رئيسا لوزراء مصر من عام 1950 حتى 1952 الذي اعتبرته «عميلا للإنجليز وخائنا للوطن والشعب» وحين توفي عام 1965 كرهت حنى الذين ساروا في جنازته ولم يكن عددهم بسبب نظام الحكم الناصري يزيد على أصابع اليد الواحدة!!
دارت الأيام وانكشفت الحقائق ونضجت العقول واتسعت المدارك فتحولت الطبيبة السابقة إلى كاتبة وأديبة نهلت من الكتب وقرأت المراجع وأدركت أسرار السياسة فكتبت مسلسل الملك فاروق الذي كشف جوانب إيجابية لم تكن قد رأتها في شبابها ونضالها وعنفوانها وكذلك رأت أن «النحاس باشا» هو رجل ..«وطني أحب بلده وعمل لها بإخلاص ونقاء وضمير» حتى وافاه الأجل وبعد أن كانت تكره وتلعن الإنجليز والباشوات والملك والأحزاب صارت ترى فيهم إخلاصا وصفاء وذمة لم ترها في هذا الجيل الحالي المليء «بالأحداث وداعش والقاعدة وحزب الله وجند القدس والحوثية وملالي إيران والقرضاوي» .. إلى أخره!!
كان الأدباء في تونس والجزائر والمغرب يهتفون في شوارع بلدانهم قبل عقود وهم يهتفون ضد الاستعمار الفرنسي المجرم!! والأدباء و الأجداد في ليبيا يهتفون ضد الاستعمار الإيطالي البغيض!! والأدباء والأجداد في الخليج يهتفون ضد الاستعمار البريطاني الكريه!! وكذلك آباء وأجداد لبنان وسوريا وفلسطين والسودان ومصر والجنوب الممثل في اليمن ليخرج المستعمر من كل هذه الأقطار قاطبة من الباب ويدخل علينا من الشباك !! استعمار بغيض وكريه ومجرم من نوع آخر إنه استعمار من «أهلنا ومن أصلابنا ومن ذريتنا» فجاء أسامة بن لادن وأبوبكر البغدادي والقرضاوي والظواهري وبديع وصفوت حجازي .. و.. و..!! رحم الله استعمار انجلترا وفرنسا وإيطاليا عن استعمار أهلنا.. وناسنا!!