ليس هناك من نشاط أو حاجة لخبرة في دولة بتخلف الكويت العمراني والطبي والتعليمي، بمثل الحاجة لمهندسين أكفاء، وهذا ما انتبهت له حكومة ما قبل نصف قرن، عندما ارسلت خيرة الشباب الكويتي لتلقي التعلم الهندسي في افضل الجامعات الأميركية والبريطانية. ومع عودة هؤلاء في نهاية الخمسينات وبداية الستينات برزت الحاجة لتأسيس جمعية مهنية تنظم نشاطهم، وبالتالي تم إشهار جمعية المهندسين الكويتية في عام 1962، لتصبح بجدارة أول جمعية نفع عام مشهرة طبقا للقانون في الكويت.
توالى على مجلس إدارة الجمعية خيرة الخبرات الهندسية النظيفة، ممن ساهموا في النهضة العمرانية، وفي ترسيخ تقاليد المهنة ورفض قبول انتساب المتطفلين لها. وأصبح بعدها عدد كبير منهم وزراء ورؤساء هيئات مهمة. ولكن تطوران حدثا في تاريخ الجمعية، أخرجاها من سكتها، بحيث أصبحت مسيسة أكثر، وربما خاضعة لنفوذ قوى الفساد المالي والسياسي. فما اصاب العام في الكويت من خراب طال هذه الجمعية وعشرات غيرها، وذلك نتيجة سعي حزب الإخوان في الكويت، التابع للتنظيم العالمي، للسيطرة على جمعيات النفع العام، الصغيرة والكبيرة. وهكذا بدأت أوضاع الجمعية بالتدهور التدريجي مع بداية الألفية الثانية، التي صاحبت بداية وصول التسلط والخراب السياسي الديني في البلاد للذروة، والذي مهد تاليا لما حدث في الجمعية من تطورات مؤسفة، دفعت الكثير من أعضائها المخلصين للابتعاد عنها، وبالتالي لم يكن غريبا تولي ناقصي الخبرة والكفاءة احيانا إدارتها، وفرض قبول خريجي معاهد غير معترف بها كأعضاء فيها، بعد نجاحهم في الضغط على الحكومة للاعتراف بتلك المعاهد «الهندسية»، التي بقيت من دون اعتراف لسنوات طويلة، ولم يحدث فيها، حتى اليوم، ما يستوجب تغيير موقف وزارة التعليم العالي، أو بالأحرى تغيير القرار السياسي الحكومي منها!
نتج عن ذلك فتح الباب لقبول عضوية الكثيرين للجمعية من دون وجه حق، وبالتالي تغيير إدارتها بالكامل. وللإنصاف فإن ما حدث في جمعية المهندسين لم يكن غريبا عما كان يجري في الساحة السياسية والمهنية من تخريب طال جمعيات نفع عام كثيرة أخرى، وبالتالي كان متوقعا ازدياد قضايا الفساد والسرقة في الكثير منها، مع تعدد حالات إحالة كامل مجالس إداراتها للنيابة العامة، ولا نعني هنا بالطبع جمعية المهندسين.
والآن نتساءل: هل سيأتي يوم نتخلص فيه من كل هذا الفساد والخراب، أو على الأقل نتخلص من جزء منه؟!