لم أتصور أن الكتابة الصحافية قد أصبحت متعبة، وتتطلب قدراً من التيقظ يفوق ما كان عليه الوضع في السابق، ففي ظل التدفق المعلوماتي الهائل، والرغبة الجامحة لوسائل الإعلام في أن تتصدر شاشاتها عبارة «عاجل»، ومع تطور وسائل التواصل الاجتماعي التي صنعت ما يُعرف بـ «إعلام المواطن»، الذي يستطيع كل إنسان فيه أن يصبح مصدراً للخبر، يحرره وينشره بواسطة جهازه الذكي، بعد أن كان ذلك حكرا على المؤسسات الإعلامية الكبرى والتقليدية، في ظل هذه الثورة المعلوماتية تصبح مهمة كتابة المقالات أشبه بالسباق مع الزمن.. والذي تفشل في إدراكه أحيانا كثيرة!
ما إن تنتهي من كتابة مقال عن الحرب على الحوثيين، وعناصر القوة عندهم، حتى تفاجأ بقرارات مجلس الأمن بالتضييق على الحوثيين وحظر تصدير السلاح لهم، ليتحول المقال في لحظات إلى جزء من التاريخ!
تخطط لكتابة شيء عن الاتفاق الإيراني الأميركي، وما هي المكاسب التي حققتها وستحققها إيران من وراء ذلك الاتفاق، فيسارع المرشد الأعلى للثورة إلى التحذير من إمكانية انهيار هذا الاتفاق في أي لحظة، فتنهار معه فكرة المقال!
وفي الوقت الذي تستعد فيه لإرسال مقال عن تصريحات وزير التربية، والتي ربما خلط فيها الحابل بالنابل، وتحدث عن مؤسسة تعليمية كبرى (التطبيقي) بكلام فسر على انه فئوي وإقصائي، وتحدث بكلام «ملتبس» عن الآيات القرآنية والأحاديث النبوية، تأتي الأخبار بأن الوزير يقوم بمحاولات «ترقيعية» لإصلاح ما يمكن إصلاحه مما قاله في لقائه مع جريدة القبس، فتضطر إلى عدم إرسال المقال!
وتتوارد الخواطر لكتابة مقال عن مناورات علي عبدالله صالح، وخبثه السياسي، وانتقاله من تحالف إلى آخر، وإتقانه اللعب على تناقضات مجتمعه، فتأتي الأخبار سريعا بأنه يطلب خروجا آمنا له ولأسرته، واستعداده للتعاون مع التحالف الخليجي، ثم تأتي بعد ذلك الأخبار أسرع بأن الطلب قد تم رفضه من الرياض، فتذهب الخواطر أدراج الرياح.. ويذهب معها المقال!
وهكذا في كل قضية تعزم على الكتابة فيها، فلا يكفي جمع المعلومات وتحليلها، بل يجب التأكد من أنها لم تصبح قديمة، فأحيانا يكون العمر الافتراضي للمعلومة لا يتجاوز الساعات القليلة، لتنتقل بعدها إلى سجلات التاريخ، ويتجاوزها الواقع سريعا، وهكذا يظل الكاتب يلاحق المعلومات، ويعيش في حالة ترقب دائم، مما يضطره إلى الكتابة في العموميات، وأحيانا يعيش حالة من الارتباك بسبب ذلك الطوفان المتدفق من المعلومات، الذي تعثر فيه على المعلومة ونقيضها في الوقت نفسه، وهذا ما صعّب مهمة كاتب المقال، الذي عليه أن يراقب المستجدات بحذر، وينتقي من بين المعلومات الأصح ليبني عليها تحليلا، يبطل مفعوله عند أول معلومة جديدة حول موضوعه.. فيا رب لطفك!