ترددت كثيرا قبل كتابة هذا المقال، عن ماذا اكتب؟ ولمن؟ وما النتيجة؟ فكرت ان اكتب عن التربية والتعليم، وان اوجه الرسائل الى الوزير د.بدر العيسى الذي عولت عليه منذ توليه الحقيبة الوزارية ان ينفض المؤسسات التعليمية، ويحقق الاصلاحات المطلوبة في هذا القطاع المهم.
فكرت ايضا ان اكتب عن حال امتنا العربية والاسلامية، والصراعات التي اخذت تمزقنا اشلاء، وان اخاطب الضمير العربي والاسلامي وكل عقل واع لما يحاك لهذه الأمة من قبل اعدائها..وكأي كاتب آخر، كنت آمل ان اسهم بالكلمة في اعادة شيء من الصواب لهذه الأمة.
ولكن كلما بدأت في كتابة المقال اعود الى نفس السؤال «ما النتيجة»؟..وبصراحة لأني لست متفائلا بالنتيجة، يخيم عليَّ الاحباط في كل مرة، وأمزق كل ما كتبت، واضع من يدي القلم وأستسلم لحالة من اليأس، حالة لم تكن تعرف طريقها اليهَ في السابق.
فعلى المستوى المحلي، لم تعد الأمور تسير وفق السياقات الطبيعية التي يمكن ان نتعامل بها، بل اصبح كل شيء يدور بشكل معكوس، والأمور لا تدار بالمنطق والعقل بقدر ما تديرها المصالح والترضيات وحسابات معقدة تدار خلف الكواليس وفي الغرف المغلقة، ولذلك نجد انفسنا نتعامل مع «طلاسم» لا يعرف قراءتها او فهمها الا من هم في نفس دائرة المصالح، سواء كانوا رؤوسا او ادوات.
فكيف نفهم او نفسر بقاء الفاسدين وكبار سراق المال العام طلقاء لسنوات طويلة، يتصدرون المجالس والمناسبات ويحاط بهم من كل جانب، بينما نرى في المقابل ان الشخصيات النزيهة والشريفة التي دخلت الكار السياسي دون ان يتلوث ثوبها الأبيض بدنس الفساد، تم اقصاؤها بشكل او بآخر، وأصبحت هي الفاسدة والمتجاوزة على المال العام، واللصوص هم حماة الديار؟
وبدلا من ان يكون النقد والتحليل الاعلامي او الكتابة الصحافية، وكذلك التقييم الشعبي الذي يمكن استشفافه من خلال المنتديات والدواوين ومواقع التواصل الاجتماعي، مرشدا لأصحاب القرار في انتقاء العناصر النزيهة والتمسك بها، واستبعاد العناصر الفاسدة التي تعزز امتداد اذرع الفساد في مؤسسات الدولة المختلفة، اصبح القرار يسير بعكس اتجاه الارادة الشعبية، وبعكس الآراء الاعلامية، ولم يعد البقاء للأصلح، ولا الرجل المناسب في المكان المناسب.
وبصراحة اقولها، يئست من تحقيق الاصلاح، ولم اعد اعول على وزير التربية والتعليم العالي في تحقيق اهدافه وأهدافنا في اصلاح المؤسسات التعليمية، لأني لا اعتقد اصلا انه سيستمر في الوزارة، بل ارى ان رحيله بات قريبا، وسيكون كبش فداء يساق على بلاط الترضيات السياسية، ليتبع خطى وزير الأشغال والكهرباء والماء عبدالعزيز الابراهيم الذي دفع ضريبة محاربة الفساد.
أما على مستوى امتنا العربية والاسلامية، فلا حياة لمن تنادي، لأن النزعات الطائفية طغت على العقول، ولم يعد في الساحة متسع لحديث العقل والمنطق بعد ان تسيدت الأهواء والعصبيات والتطرف، وأصبحت لغة الدم والانتقام والاقصاء هي السائدة.
وكلما سعى العقلاء والمخلصون لهذه الأمة الى اغلاق جبهة، فتحت المؤامرات جبهة اخرى وحربا جديدة، تطبل لها الأصوات النشاز التي لا ترتفع الا بالشؤم والخراب، ووقود هذه الحروب الأحقاد والفتن الطائفية، التي اتخذت منها بعض السلطات وسيلة لتثبيت عروشها، بتطبيق «فرق تسد»، حتى وان تطلب بقاء هذه العروش الارتكاز على اطنان من الجماجم البشرية. أمام هذا الواقع المر، وحالة اليأس التي غلفت كل تطلعاتي وأماني للكويت ولأمتنا العربية والاسلامية، ولأننا اصبحنا على ما يقال «نملي بجرة مسكورة»، أمام ذلك كله.. لم اكسر القلم ولم احرق الأوراق، ولكن قررت ان اضع القلم مؤقتا، وأعلق الكتابة، على امل ان اصحو على نفحة تفاؤل تحملني على الكتابة من جديد.