قدم وليد الغانم في “القبس” أمس صورة من ألف وآلاف الصور للفساد في الدولة، فمدير عام الموانئ صرح بأن “90 في المئة من موظفي الإدارات العاملة بنظام النوبات لا يحضرون…”، ويرجع وليد لتصريح وزيرة الشؤون قبل فترة اعترفت فيه بأن موظفي الوزارة نائمون في بيوتهم، ويستلمون رواتبهم ومكافآتهم كاملة، تنابلة السلطان جالسون في بيوتهم، أو يتسكعون بسياراتهم بطول وعرض شوارع الدولة، أو ربما يجترون البطالة بمقاهي المجمعات التجارية. في مثال الموانئ أضرب الموظفون عن أعمالهم قبل سنوات، مثلما يذكر وليد، “بسبب الغبن والتمييز في إقرار كوادر المزايا المالية…” وكأن عدم إقرار هذه المزايا، أو عدم المساواة بها، يبرر حالة التنبلة عندهم، وقبض الرواتب دون عمل مقابل.
لو أنها وقفت عند تخوم الموانئ أو الشؤون فقط، كنا حمدنا الله على هاتين المسألتين، لكن، إذا أردنا أن نكون منصفين، علينا الإقرار بأن الفساد الإداري يعم الديرة من الألف إلى الياء، وإذا كان هناك استثناء في إدارات الدولة فهي حالات لا تتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة، اذهبوا لأي إدارة في الدولة، وشاهدوا كيف يجري العمل… إذا لم يكن الموظف أو الموظفة غائبين أو مشغولين بوجبة الإفطار المتأخرة، أو بالأحاديث الجانبية، فستجدونهما غارقين “بواتس أب وتويتر وفيسبوك” في دنيا الأجهزة النقالة، وهذا يعد أضعف الإيمان في تقضية وقت الفراغ أثناء العمل…!
كم مرة سمعنا وقرأنا شكاوى مواطنين ومقيمين في إحباطاتهم وعذاباتهم لإنجاز أبسط معاملة… السؤال ماذا بعد إقرار وزير أو موظف قيادي بحالات الفساد في وزارته أو إدارته، ماذا سيفعل حيالها؟ هل سيحرك العقوبات الإدارية مثلما ينص قانون الوظائف العامة؟ وإذا تم تفعيل بعض مواد القانون هل ستطبق بحياد وموضوعية كما يفترض، ولا تتدخل جماعات وقوى المتنفذين في الإدارات السياسية العليا أو بعض أعضاء المجلس لشل يد القانون؟… لأن تلك القوى بدورها وبحد ذاتها هي ناتج واقع الفساد…! الإجابة معروفة سلفاً، فتركيبة الدولة قائمة على الفساد السياسي، وهو الفساد الأكبر، والذي بدوره أنتج لنا ذلك الفساد الإداري المتأصل في جل إدارات الدولة.
المخيب هو حين نقرأ تصريحاً للمسؤولين بإقرار الفساد في دوائرهم، تشعر بأن هؤلاء المسؤولين يتحدثون ليس عن ظاهرة في إداراتهم ويبدون العزم للتصدي لها، وإنما كأنهم يتكلمون عن “قوة قاهرة” اسمها الفساد الإداري، ولأنها بهذا النعت، لا يمكن مواجهتها ومحاربتها، وبالتالي، يصبح واقع الفساد من أمور القضاء والقدر المكتوب على جبين الدولة، وبهذا يصبح المسؤول صاحب التصريح قد أخلى مسؤوليته، وأبرأ ذمته من عبء الإصلاح! بالتـأكيد أجد العذر إذا كان ذلك المسؤول الوزير أو القيادي هو في بداية عمله، ويكشف عن تحدياته القادمة، لكن إذا كان قد أمضى وقتاً في وظيفته العالية، وشاهد بعينيه ولامس بيديه جسد الفساد العفن، وتحدث عنه لرئيس الوزراء أو للوزير المختص، ولم يفعلا شيئاً، فلماذا لم يتنح عن كرسي الوزارة أو يستقل من الوظيفة…؟ هنا ستصل الرسالة قوية إلى رئيس مجلس الوزراء أو الوزير المختص… ويحملهما مسؤولية السكوت عن الفساد.
وإذا ابتعد هذا الوزير أو نحى عن عمله بسبب موقفه الجاد من الفساد، فواجبه ألا يسكت ويترك الأمر للنسيان، وكأنه ينتظر، متأملاً العودة للوزارة أو للوظيفة بتشكيل وزاري جديد، واجبه أن يتكلم بصوت عال ويفضح قضايا الفساد والمفسدين بوسائل الإعلام إذا سمحت له ولم تكن هي الأخرى فاسدة، عليه التزام نحو وطنه أن يقرع الأجراس عالياً وبشدة، لعل الناس تستيقظ من سباتها وقيلولة التراخي واللامبالاة لهذا الواقع المزري… حينها سيحرق كل السفن من خلفه، وسيخرج من أحلام العودة للوظيفة السامية، ولكنه سيدخل تاريخ وطنه من أوسع أبوابه.