اطلعت على مقترح استقلال القضاء المقدم من خمسة أعضاء في المجلس الحالي، وهي خطوة تأخرت كثيراً ولكنها جاءت أخيراً، ولعل إضافة صفة الاستعجال على القانون المقدم للتصويت في البرلمان، ما هي إلا إدراك من الأعضاء الذين قدموه لمدى تأخر هذا القانون، الذي يُعد اليوم مرتكزاً أساسياً لأي بلد مؤسسات.
لعل تجاربنا الأخيرة كانت بمنزلة هاجس لمقدمي الاقتراح بضرورة حدوث هذه الخطوة اليوم، أكثر من أي وقت مضى، بعدما حاول البعض أن يقحم القضاء كطرف في خلاف سياسي، غير أن مساعيهم لم تنجح وحُكِم عليها بالفشل بفضل بعض الشرفاء الذين تصدوا لهذا التوجه المدمر للدولة، حيث يضمن القانون الاستقلال المالي للقضاء، بالإضافة إلى عدم خضوعه لأي من فروع الحكومة، وهذا كفيل بأن يقلل من التأثير السياسي للحكومة على السلطة القضائية في التعيينات وغيره، بل يعدمه في المستقبل.
في حالة إقرار هذا القانون بالإضافة إلى القانون الذي سبقه «حق التقاضي أمام الدستورية» أعتقد أنهما أفضل المقترحات المقدمة التي تصب في مصلحة الحريات العامة في السنوات العشر الأخيرة، ولا يوجد قانون ثالث بعدهما، فالمقترح الذي يليهما يأتي في المرتبة الثالثة عشرة أو الرابعة عشرة.
يأتي هذا المقترح تزامناً مع مقترح تنظيم الاتحادات، أو قانون «تكميم الأفواه» كما تسميه الجموع الطلابية، حتى يتبين لنا كمراقبين نقطة في غاية الأهمية، وهي أن الحُكم على هذا المجلس ككل بمثل هذا المقترح، هو إجحاف بحق بعض أعضائه، فقوانين بهذا الحجم «كاستقلال القضاء والتقاضي أمام الدستورية» عجزت عنها مجالس سابقة… نعم هي حالة «تناقض» في المجلس الحالي، وربما يكون تناقض البرلمانات ظاهرة صحية للعمل البرلماني، لأنه يعكس حالة الانقسام في المجتمع، التي لا تحتاج إلى برهان للتدليل على وجودها اليوم.
للأمانة، قانون تنظيم الاتحادات الذي يقابله قانون استقلال القضاء، أو حق التقاضي أمام الدستورية، جاءا ليبرزا حالة «التناقض»، وهو من النوع «الحميد»، لاسيما في الحياة البرلمانية، ما يعكس لنا، بصورة أو بأخرى، أن هذا المجلس هو مجلس الشعب بامتياز، حيث نُقِل صراع الثقافات في الشارع إلى البرلمان، فإذا كان هناك تغيير يجب أن يحدث فهو توعية الشارع قبل كل شيء، حتى يأتي إلى المجلس بممثلين منسجمين مع نفس مستوى الوعي والثقافة.