تصريحات وزير التربية ووزير التعليم العالي الأخيرة حول المؤسسات التعليمية وهيمنة بعض التيارات السياسية عليها وضرورة مراجعة المناهج التربوية أثارت جنون بعض رموز التنظيمات الدينية، فانهالت عليه سيول النقد الجارح والمقالات العنيفة، ووصل الأمر إلى تقديم شكوى لجرجرته إلى القضاء، وشخصياً لا أتفق مع السيد الوزير في إبراز كلمة القبائل في سياق بعض العبارات التي نقلتها الصحيفة التي أجرت معه اللقاء، نظراً لاحترامنا لكل المكونات الاجتماعية وحفاظاً على النسيج المجتمعي، وإن كان هذا النسيج قد مزّق إرباً إرباً من الجميع بقصد أو بدون قصد، بتعصب أو بجهل، لمصالح أو لأمراض نفسية وعنصرية.
في كل الأحوال، تحلى الدكتور بدر العيسى بالشجاعة والمسؤولية فوضّح واعتذر ولم يكابر أو يصرّ على ما نسب إليه، ومع ذلك يستمر التهجم عليه والدعوة إلى إقالته ومقاضاته، ويبدو أن السر في هجوم التيارات الدينية المتشدّدة تحديداً لا يكمن في التباكي على الوحدة الوطنية أو الانتصار لشريحة من المواطنين، بل في الخوف من إفلاسهم من المناصب العليا والمهمة في العديد من الهيئات التعليمية التي أصبحت شاغرة، وهي الآن بعهدة الوزير العيسى، وفي هذا المقام أيضاً يجب التركيز على أن هذه الشواغر أمانة في عنق الوزير ومجلس الوزراء وتحت رقابة مجلس الأمة وديوان الخدمة وديوان المحاسبة؛ بأن تسند إلى مستحقيها من الكفاءات الوطنية دون التمييز في الانتماء العرقي أو الفكري أو المذهبي.
كنت أتمنى أن تكون الفزعة الأخيرة ضد وزير التربية ووصف خطابه بالفتنة من بعض الكتّاب والمحامين ذات مصداقية وتحمل الروح الوطنية الصادقة، فتصريحات السيد الوزير، وإن أخذت في سياقها الظاهري، تزامنت مع سيل من التصريحات والبيانات والتغريدات الصريحة في نتنها، والداعية بشكل مباشر إلى الفتنة الطائفية والمثيرة بنفحات الكراهية، ولم يكن أبطالها وزراء أو مسؤولين إنما ممن يدّعون أنهم أئمة في الدين ومرجعيات للتيارات السياسية ومن النخب العلمية والأكاديمية، ومع ذلك بلع منتقدو وزير التربية لسانهم، ولم يرمش لهم جفن وجفّت أقلامهم عن الانتصار للوحدة الوطنية والقوانين الحامية لها، بل إن البعض منهم راح يهلّل ويطبّل ويمجّد خطابات الفتنة إياها!
مع الأسف الشديد حتى الدفاع عن الوحدة الوطنية والانتصار لأي فئة مجتمعية تتعرض للإهانة أو التشهير أو التهديد تلون بالداء الطائفي والفئوي والفكري ذاته، فالكل تقريباً لا يفزع إلا لأهل ملّته أو مذهبه أو قبيلته أو عائلته فقط، ويتناسى أو أحياناً يركب موجة التعرض للآخرين، ولم يتبق إلا ثلة قليلة ممن يتحلى بالشجاعة والشهامة الوطنية للانتصار لأي كويتي إذا ما تعرّض لأي شكل من أشكال الظلم والاعتداء، والنتيجة أننا جميعاً وبكل انتماءاتنا وشرائحنا نكون ضحايا الاضطهاد والإهانة في تسلسل زمني يتكرر، ولكن تتغير معه الضحية في كل مرة، فتعساً لأمة تقبل بأن تهين نفسها بنفسها عن سبق إصرار وتعمد!