لست على ثقة بأن الاتفاق الإيراني الغربي سيرى النور بشكله الحالي في نهاية المطاف، وإن مرّ فإن بنودا جديدة ستضاف اليه، فهو في مجمله ليس في مصلحة المشروع التوسعي الإيراني، ولا في مصلحة المتشددين، وما أعلى صوتهم في إيران. فحساب الخسارة والربح «الظاهرين» في الاتفاق يشير بوضوح، كما ذكرنا في مقال سابق، الى أن إيران ستعطي كل شيء، ولن تحصل على غير رفع العقوبات، إن رفعت كليا، وهو الشيء الذي رفضته طوال عقدين تغيرت خلاله إيران كليا، واصبحت مجتمعا عسكريا بمجمله، وأكثر اعتمادا على نفسه، ولكن بثمن لا يمكن تجاهل آثاره السيئة على الاقتصاد والروح الإيرانية. وبالتالي ليس سهلا على إيران قبول شروط الاتفاقية الجديدة كما هي، فغالبية البنود مجحفة بحقها. كما لا تستطيع، لعوامل عدة، رفضها، بعد أن ارهقتها العقوبات الدولية، وهذا ما عبّر عنه بصدق «المرشد» الخامئني بقوله انه لا يعارض الاتفاقية ولا يؤيدها، وهو الشعور المختلط الذي ربما يختلج في قلب وعقل كل متشدد في إيران، وخاصة عندما نعلم بأن بنود الاتفاقية تتطلب مثلا تفكيك الـ Breeder reactor، أو قلب مفاعل «أراك»، الذي صرفت إيران مئات الملايين، إن لم تكن مليارات الدولارات عليه، من قوت الشعب، الذي بإمكانه إنتاج مادة البلوتونيوم Plutonium، التي لا تتوافر في الطبيعة، والتي تعتبر الأساس لصنع أي قنبلة ذرية.
الطريف أو المؤلم أو المؤسف أو لحسن الحظ، وللقارئ اختيار الكلمة التي تناسب حقيقة مشاعره، أن إيران، بخلاف إسرائيل وكوريا والهند وباكستان، لم تستطع «كبح جماح» مشاعرها، عندما حصلت على القدرة لإنتاج الطاقة النووية، التي ستؤهلها مستقبلا لصنع سلاح نووي، حيث قاد تهور سياسييها، وربما سذاجتهم وحبهم للتفاخر والتباهي، أمام مواطنيهم والعالم، وخلال فترة حكم احمدي نجاد، بتوزيع الكعك الأصفر في شوارع طهران واصفهان وشيراز احتفاء بتخصيب اليورانيوم الى %20، وهي درجة عالية الخطورة، وغير المسموح بها دوليا، حسب لوائح الوكالة الدولية للطاقة، وهذا ما فتح أعين العالم عليهم، وفعل من مبدأ «المظلومية»!
في الجانب الآخر، نجحت إسرائيل قبل أكثر من ثلاثين عاما، في امتلاك السلاح النووي، وصنعت مئات الرؤوس النووية منه، ولم يعرف العالم عن إنجازها شيئا، إلى أن فضح الإسرائيلي مردخاي فعنونو، الخبير في مفاعل ديمونة، السر، وهرب خارج إسرائيل، ليختطف بعدها ويعاد لوطنه ويحاكم ويسجن! وهذا هو الفرق بين عقليتين.