الرئيس الأميركي باراك أوباما يقول بالحرف الواحد “إن الخطر الأكبر الذي تواجهه الدول الخليجية العربية السنيّة هو تحديات داخلية وليس خطر التعرض لهجوم إيراني”، ويزيد على وجه التحديد السبب إلى “وجود مواطنين يشعرون بالغربة وشبان غير راضين وشبه عاطلين عن العمل، وأيديولوجية هدامة وإحساس بعدم وجود مخرج سياسي لمظالمهم”!
لو تفوه المواطن الخليجي بمثل هذه العبارات لواجه الاتهام المعلّب والفوري بأنه عميل إيراني وخائن من الطابور الخامس، وأحد أفراد الخلايا النائمة وطائفي حتى النخاع، وكان التحريض على سحب جنسيته وأولاده وبقية عائلته، وردة الفعل هذه قد لا تكون من الحكومات، بل من إخوانه في المواطنة بمن في ذلك البعض في صفوف المعارضة التي طالما نادت بمثل هذه المطالب.
أما موقف الحكومات فلا يستغرب أن يكون الاستضافة في سرداب أمن الدولة، ثم النيابة العامة بتهمة التحريض على نظام الحكم وهدم أركان الدولة والدعوة للفوضى والغوغائية، أسوة بالكثير من السجناء الحاليين بذات التهم.
لكن تصريحات سيد البيت الأبيض سوف تقابل بمأدبة ضيافة راقية على الفطور في منتجع كامب ديفيد، حيث الهواء العليل والأحاديث الودية ومزيد من الاتفاقيات والعقود المليارية، وخصوصا في صفقات السلاح والاستثمارات الخارجية.
رسالة الرئيس أوباما وتوقيتها وتعليماتها واضحة ومباشرة، وعندما يقول الخطر الأكبر فإنه يعني ذلك تماماً، ويشير إلى التهديد المباشر لوجود هذه الدول، وهنا يتعهد أوباما بأن الولايات المتحدة لن تتأخر في الدفاع عن حلفائها الخليجيين إذا ما تعرضت لتهديد إيراني، ولكن أمام مطالب الشعوب وهمومهم وغضبهم فلسان حال الرئيس الأميركي يقول “ترى مليش دعوة”! وهذا الموقف المعلن لا يحتاج إلى تأويل أو تخمين، فعندما هبت رياح الربيع العربي على مصر وتونس كانت تصريحات الوزيرة كلينتون صريحة ببيع حلفاء العمر، واعتبرها الكثير من العرب الموالين لأميركا طعنة في الظهر!
كلام الرئيس أوباما، الذي يعد نصيحة وتحذيراً، يجب أن يؤخذ على محمل الجدّ، ليس من باب إلغاء التهديد الإيراني ولا حتى مساواة حجم الخطرين الخارجي والداخلي، بل إذا جعلنا من نسبة الخطر الإيراني 90%، فالعُشر الآخر يبقى من أكبر التحديات التي تواجه دول مجلس التعاون في المستقبل، وقد ذكرنا في مناسبات كثيرة جداً في سلسلة مقالات “الجريدة” أو في المؤتمرات العلمية أن غول الشباب المرتقب في دول الخليج على الأبواب، وأن عدد السكان سوف يبلغ نحو 60 مليون نسمة بحلول منتصف هذا القرن، ونحو 85 مليوناً في أواخره، ومعظمهم من فئة الشباب دون الثلاثين، يشكلون ضغطاً شديداً على الخدمات العامة من تعليم وصحة وإسكان وتوظيف، والأهم من ذلك أنهم يمثلون جيلاً بثقافة جديدة جريئة في طرحها، حادة في انتقاداتها، عالية في سقف مطالبها السياسية، طامحة في المشاركة المباشرة في اتخاذ القرار، ومتسلحة بأحدث العلوم والمهارات التكنولوجية والثورة المعلوماتية.
هذه الحقائق كان حرياً بحكوماتنا الالتفات إليها واحتواؤها واحتضانها ووضع التصورات المستقبلية لاستيعابها والاستثمار فيها، ولا ننتظر السيد أوباما حتى يحذرنا منها، كما يجب ألا تأخذنا العزة بالإثم واعتبار أوباما طائفيا جديدا يتدخل في شؤوننا الداخلية، فمعظم مشاكلنا منا وفينا، أما لسيادة الرئيس فنقول ماذا فعلت إدارتك وحكومات أسلافك منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، بعد أن عمرتم بلادكم وبلدان حلفائكم حول العالم من نفطنا الخليجي وأموالنا لتعزيز تلك المفاهيم الإنسانية الراقية في منطقتنا سوى دعم إسرائيل والمساهمة في تفريخ الجماعات الدينية المتطرفة التي تنهش بكل العالم اليوم؟!