العنوان الكبير للقاء الكاتب بـ«نيويورك تايمز»، توماس فريدمان، مع الرئيس أوباما هو «عقيدة أوباما وإيران».
«مبدأ أو عقيدة»، وفق الترجمة العربية لكلمة «دوكترين»، ليست بالجديد في سياسة الولايات المتحدة، فأكثر من رئيس لهذه الدولة منذ بزوغها كدولة عظمى كانت لهم عقائدهم في علاقاتهم الخارجية، من مونرو في القرن التاسع عشر حتى أوباما اليوم.
وجاء الصحافي فريدمان ليقرر معالم هذه العقيدة، التي لا تخرج – في إطارها العام – عن فكر الرؤساء السابقين، والتي تتحدد بالمصلحة القومية الأميركية بالدرجة الأولى كدولة عظمى، مع تحقيق توازن بدرجات مختلفة مع قيم الحرية والعدالة التي قامت عليها الثورة الأميركية.
هاتان الركيزتان «المصلحة والمُثل» محل خلاف بين أقصى اليمين مثل هنري كيسنجر حين يقيم مبدأ توازن القوى في العالم وتحقيق السلام يكون على أساس القوة المهيمنة الأميركية الفريدة التي توازن بين، وتتدخل، لوقف الصراعات بين الدول أو داخل الدول ذاتها، حين تصبح تلك النزاعات مهددة للسلام العالمي والمثل الأميركية، إلى أقصى اليسار مثل المفكر نوام تشومكسي (يلفظ كثيرون اسمه نعوم تشومسكي، مع أنه لا يوجد حرف العين بالإنكليزية) الذي يرى أن معظم التدخلات الأميركية في العالم من أميركا اللاتينية حتى الشرق الأوسط وإفريقيا الوسطى التي فوضت بالأخيرة الدولة الأميركية فيها الدول الأوروبية، وتحديداً فرنسا وبريطانيا وجعلتها ساحتها الاستعمارية الخلفية، هي لتحقيق المصلحة الإمبريالية الأميركية على حساب شعوب العالم، لكن حتى تشومسكي، سواء صنّف يسارياً أو فوضوياً يحذّر من إنكار بعض أسس الليبرالية الإنسانية التي قامت عليها الولايات المتحدة، وهي ليست الليبرالية الجديدة واليمين المحافظ، ونموذجه الفذ «الريغانية الثاتشرية»، التي تسيّر الآن معظم سياسات الدول المتقدمة، وبتحالف مع أنظمة حكم دكتاتورية، كحال دول النظام العربي، أو أنظمة نخب يمينية ولو بشكل ديمقراطي، لكنها تدور في الفلك الأميركي.
عقيدة أوباما، كما وضع تخومها فريدمان، تقوم على الحوار وفتح قنوات الاتصال مع الدول التي تصنف كعدوة لأميركا أو حلفائها، مع المحافظة على المصالح الأميركية، هذا هو قوام عقيدة أوباما التي لا يجد فيها القارئ اختلافاً عن مبادئ الرؤساء السابقين إلا في التفاصيل، وحين تعرّض أوباما موجّهاً النصيحة لحلفاء أميركا من الدول العربية السنية بأن هناك خطراً خارجياً بالفعل عليها، لكن الخطر الأكبر هو أوضاع دولنا الداخلية، فأين يكون الخطأ في هذا التحذير؟ وهل يعد هذا تدخلاً في الشؤون الداخلية، أو تغافلاً عن التطلعات الإيرانية، كما يرى المعترضون على خطاب أوباما؟
أليست دولنا وصراعاتها القبلية التي أنتجت قوى التطرف والتعصب الديني والطائفي من «القاعدة» لـ«داعش»، والقائمة ممتدة في دنيا الجنون العدمي؟ أليست هذه الدول – أو القبائل التي ترفع أعلاماً – بتهميشها للمواطن وقمع رأيه وتزييف وعيه بقضايا الطائفة والدين والخطر الخارجي إيرانياً كان أو غيره قد أشغلته عن واقعه المأساوي، وأدخلته في صراع عنيف بين الهوية الوطنية وهويات الانتماء للقبيلة والطائفة الدينية أو العرق؟!
أليس تخلّف مناهج التعليم والفراغ والبطالة وترسيخ حالة الفساد وغياب النموذج الإنساني الذي يتطلع إليه الفرد المقهور هي كلها أمراض مزمنة مستوطنة بدولنا ستدمر مستقبلها حتماً؟
لا أحد ينكر أبداً دور الإمبريالية الأميركية ومصالحها، وفي ذاكرتنا القريبة ما صنعته الدولة العظمى أيام «الجهاد الأفغاني» ضد السوفيات بداية الثمانينيات، وكيف أصبح مجاهدو الأمس إرهابيي اليوم، بإخراج مختلف، ولكن بمحتوى واحد.
لا ننسى كيف كانت دولنا وشبابنا مخالب أميركية لإدماء «العدو الشيوعي».
لا أظن أن الإدارة الأميركية نسيت ذلك.
إلا أنه علينا، بدورنا، ألا نكابر ونهرب من واقعنا المأزوم ونعلّق المرة تلو الأخرى كل هزائمنا وفشلنا على مشاجب الآخرين.
أين الخطأ في كلام أوباما حين يتحدث عن أمورنا التعيسة؟ لا نختلف، إننا نجد المصيبة في حديثه عن إسرائيل كالصديق الأهم للدولة الأميركية في المنطقة، وتقديم مصالحها العدوانية على غيرها، لكن حين يوجه كلامه للقيادات الحاكمة بدول العالم العربي السني، وينصحهم «أصلحوا حالكم مع شعوبكم»، فأين الغلط هنا؟!