على الرغم مما يبدو أنه حالة تصعيد عسكري في المنطقة، وتسارُع فيها، فإن الواضح أننا قد نشهد الفصل الأخير من حالة عدم الاستقرار.
دخول السعودية في المواجهة العسكرية هو استخدام لآخر الأوراق، وقبول إيران للاتفاق النووي هو أيضا آخر الأوراق.
وعندما تستخدم الأوراق الأخيرة على الأرض، فإنك تستهدف السلام، حيث لا يعود سلاح افتراضي يستخدم للردع، فالأسلحة التقليدية قد استنفدت أغراضها، ولم تحقق إلا معادلة صفرية، لا تسمن ولا تغني من جوع، بل تتكالب بها المآسي وتتكرر بصورة أكثر فداحة.
نحن في منطقة ترتفع بها نسبة النزاعات المسلحة عن أي إقليم آخر في العالم، إلا أن المسألة تجاوزت حجم وكمية نزاعات مسلحة، حيث ترتب على ذلك حالة فراغ أمني وسياسي، وتسرب جماعات مسلحة مدعومة من هذا الطرف لتملأ تلك الفراغات، وأغلبها مدعوم من هذا الطرف أو ذاك لتحقيق أهداف جزئية يبدو أنها كلها قد ارتدت على صانعيها ومموليها وداعميها بمزيد من الفوضى وحالة الاضطراب.
“الاتفاق الإطاري” النووي بين إيران و(5+1) لم يطلق عليه المصطلح التقليدي “خارطة طريق”، حيث تاهت السبل في كل خرائط الطرق السابقة وتبعثرت من أمامها، فتحولت إلى “اتفاق إطاري”، تجنباً لفشل الخرائط السابقة، لا بأس، وماذا بعد؟!
هنا صار لزاماً على دول الخليج وإيران أن تستفيد من حالتين، حالة الإرهاق السياسي والعسكري غير المجدي التي تشعر بها جميع الأطراف، والثانية هي بصيص من “استرخاء” خلقه الاتفاق الإطاري بعد مفاوضات استمرت أكثر من 15 سنة.
بإمكان دول الخليج، بعد أن بلغت المخاطر حدودها القصوى، أن تتمسك بالنموذج الناجح لمنظومة (5+1)، وتجعل منه “حالة” متحركة لخلق فرص سلام أوسع، واتفاق شامل لكل الملفات. بل وتسعى إلى توسعته، فتضم فيه مثلاً، اليابان والبرازيل وجنوب إفريقيا والهند، لكي تجتمع المصالح كلها على الاستقرار، ويتم تطوير النموذج إلى (5+5) لتدعيم الاستقرار في المنطقة، ومنها ستتم محاصرة الإرهاب والتقليل من التطرف، وبالذات ذلك المدعوم منه.
فإن تم ذلك، فالأمر سيستغرق وقتاً وجهداً وجدية، لا علاقة لها بالنوايا، بل بالأفعال على الأرض، فإن بدأت مسيرة السلام والاستقرار، فحينها تبدأ المرحلة الأصعب، وهي مرحلة تصالح الأنظمة مع شعوبها، وتطوير أنظمة الحكم لكي تبدأ في دخول مرحلة الانفتاح السياسي وسيادة القانون واحترام كرامة الإنسان.