كتبت كثيرا ضد ما يسمى بالوحدة الوطنية. مؤكدا في كل مرة انه ليست هناك «وحدة وطنية»، اللهم إلا ما يفرضه دعاة واصحاب الرأي الواحد، ومن يبزهم من قساة ودكتاتوريين، على الآخرين. صهر الناس في بوتقة واحدة، لبس واحد او فكر واحد هو قمة الدكتاتورية، وانعدام الحرية وغياب الديموقراطية والخيارات الفردية او الجماعية الحرة.
لكن مع الاسف اصر الكثيرون، وبقليل من المبالغة الكل، على «توحيد» الناس بالقوة، وفرض ما يعتقدون انها الروح الوطنية او المصلحة العامة على الجميع. الى درجة اصدار قوانين تعاقب من لا ينضوي تحت راية الوحدة الوطنية المزعومة. لكن لم يكن هناك ضرر فادح او واضح لهذا «الفرض». فالناس بطبيعتهم متحدون ومتكاتفون ومتآلفون في الجو الاجتماعي الطبيعي الذي يعيشون فيه. اليوم يختلف الامر وتفرض تحديات ورؤى ومصالح مختلفة، تفرض الاختلاف والتنوع في المصلحة، وبالتالي التباعد والتنافر في الرأي.
عاصفة الحزم.. عصفت في الواقع بوهم الوحدة الوطنية. وفرضت المصلحة الخاصة، على اغلبية الناس ان تختلف وان تتخذ مواقف متناقضة ومتنافرة، ويمكن القول متعادية تجاه «العاصفة». وهذا امر طبيعي، وهذه او لاجل هذه وجدت الديموقراطية. فهي لحل «عداوات» الناس بشكل سلمي. حيث يتقاتل الناس بالرأي وليس بالسيف او البارود. الكل يطرح رأيه، ويحاول ان يعبّر او ان يحمي مصالحه. والقرار العام يتخذ في النهاية بالاغلبية.
لكن في النظام الديموقراطي الاغلبية ومصلحتها لا تلغي الاقلية. وخسارة الاقلية تنحصر في ما تم التصارع حوله من موقف طارئ او عابر. ولا تطول الخسارة حقوق الاقلية او تنتقص من مساهماتها وحقوقها العامة. وبالتالي فإن الاقلية اليوم قد تصبح اكثرية غدا. ومن كان في صف معين اليوم قد يختار بحرية ان يكون في الصف المضاد في الغد.
محاولة البعض فرض رأيهم الخاص على الآخرين خطأ. وتعدٍّ على حقوق ومصالح الغير. ومهما بدا القرار وطنيا او ملائما للجميع. يبقى انه قرار سياسي قد يخطئ وقد يصيب. قد يكون اليوم ضروريا وقد لا يكون في الغد. بمعنى انه قرار غير مقدس وحتى غير ملزم تقبله من قبل الجميع.
لكن هذا لا يعني معارضته بالطرق او الوسائل غير القانونية او غير المشروعة. وان كانت هناك قوانين او ذهنية وتقليد عام تبرره او تحميه. فمن الواجب التصدي لهذه القوانين او المواريث ومحاولة تغييرها بدلا من الانشقاق والتمرد على الوضع العام.