في عام 1980، وفي آخر شهر لي تقريبا في المصرف الذي كنت أعمل به، وفي غياب شبه كامل للإدارة العليا، أثناء العطلة الصيفية، كنت فيها المسؤول الوحيد الذي يمتلك كل الصلاحيات، وكان التدقيق الداخلي والرقابة في ايامها بسيطا، والتلاعب والسرقة سهلين وممكنين، لمن ساءت نواياه. ومن باب الضجر قررت الدخول في تجربة مثيرة، فقمت بالاتصال بأحد كبار عملاء البنك، الذي لا يزال على قيد الحياة، وأعتقد انه يقرأ مقالاتي بصورة منتظمة، وطلبت منه الحضور للبنك لأمر خاص.
حضر الرجل على الفور، حيث لم يبعد مكتب شركته عن البنك كثيرا، وكانت قد أرسيت عليه مؤخرا مناقصة حكومية بعشرات ملايين الدنانير. قلت له ان لدي خبرا جيدا وآخر سيئاً، فقال ابدأ بالجيد. قلت له انني، وبموجب صلاحياتي، قمت بإجراء خصم على كل رسوم الكفالات التي سبق أن أصدرها البنك لتلك المناقصة او التي سيطلبها بعد ايام، وانني منحته خصما آخر على سعر عملة الحوالة المصرفية الكبيرة التي طلبها، وان إجمالي الخصم الذي سأجريه سيكون بحدود ثمانين الف دينار! شكرني باقتضاب، وقال: والخبر السيئ؟ قلت: إن عليه دفع نصف ذلك المبلغ لنا نقدا! تغيّر لون وجهه، وقال لي بصدق ان المبلغ بكامله تحت تصرفي، فقد ساعدته كثيرا، كما أن المبلغ تم احتسابه اصلا ضمن تكلفة المناقصة! وهنا ابتسمت له، ومددت يده وأمسكت بخده مبتسما، وقلت له: كنت أمزح معك، كل ما كنت أريده أن اختبر نفسي أمام هذه الإغراءات، وأعتذر لوضعك في ذلك الموقف «البايخ»، فقد كنت الخيار الوحيد أمامي، قبل استقالتي!
وبالأمس، بدأت المحاكم بالنظر في قضية اتهام الإدارة الحالية (السلفية) للبعض من الادارة السابقة (السلفية) لشركة الامتياز، باختلاس ما يقارب 900 مليون دولار من أموال المساهمين في الشركة، وهي اكبر قضية تنظرها المحاكم في تاريخ اختلاسات الشركات المساهمة في الكويت، وما أكثرها. الطريف، او المؤلم أن جميع من عمل في تلك الشركة، ولا يزال يعمل بها، من الفراش وصعودا حتى رئيس مجلس الإدارة، كانوا ولا يزالون من جماعة السلف، الصالح الطيب الطاهر، فكيف حدث ذلك؟
هؤلاء هم وهذا أنا، الذي طالما وصفت من قبلهم بالليبرالي والعلماني، وغير ذلك من تسميات، سيئة ومشينة، من وجهة نظرهم.
لا أكتب ذلك تفاخرا ولا لتحسين سمعتي فلست بحاجة لشيء، بعد هذا العمر المديد والجميل، بل لكي أبين أن لا اللحية ولا الجلباب القصير، ولا فرك الجباه، واستخدام المسواك، وعدم ترك صلاة، تعني الصلاح وحسن السيرة والسلوك! كما لا يعني ارتداء البدلة وربطة العنق وحلق اللحية والشارب دليل ضياع وفسق وفجور.