حين دعا رئيس مجلس الوزراء الشيخ جابر المبارك قبل ستة أشهر، مع بداية انهيار إمبراطورية أسعار البترول وتحذيرات البنك الدولي للدولة من زيادة المصروفات التي ستوقع الدولة في أزمة عجز مالي، هبّت عاصفة من النقد الشديد عبر مواقع التواصل الاجتماعي والصحافة ضد رئيس الوزراء والحكومة.
خلاصة كلام الناقدين تتمحور في تساؤل انتقادي: لماذا نشد الحزام، وأنت يا حكومة تنفقين ببذخ على جماعاتك وعلى قروض وهبات خارجية لدول من غير حساب؟، وإذا كنت تريدين حقاً أن «نشد الحزام»، فابدئي بنفسك، فالشعب يعاني أزمة سكن، سببها جنون في أسعار العقارات، فجلّ الأراضي مملوكة للدولة أو لشركات وأفراد تجار احتكروا العقارات للمضاربة بأسعارها العالية في ما بعد.
ومع هذه الأزمة يسترسل الناقدون قائلين: أيضاً هناك أزمة ارتفاع أجرة العقارات، وأصبح من الصعب أن تجد أسرة شبابية شقة بإيجار معقول، وأيضا لدينا أزمة غلاء، وأزمة قروض استهلاكية.
ويكمل الشاكون مخاطبين الحكومة: بأي حق تفكرين في رفع رسوم الخدمات (ضرائب غير مباشرة) إذا كانت خدماتك تراوح بين سيء وأسوأ، مثل الكهرباء والصحة والتعليم والشوارع «السردينية» من شدة فوضى المركبات والازدحام فيها وفي المواقف وغياب القانون، وغيرها القائمة طويلة من هموم الشاكين؟!
في الأيام الماضية، وبسبب انعقاد مؤتمر المانحين لسورية، طفت من جديد الرسالة الشعبوية بعنوان «أنا أولى»، أصحابها لا يفصحون تماماً عن امتعاضهم للمساعدة الكويتية لمأساة الشعب السوري، التي تعد أسوأ مأساة إنسانية يعيشها السوريون اليوم، إنما يلجأ الناقدون إلى الغمز والتورية في انتقاد الأريحية الكويتية للشعب السوري، ويقولون ضمناً: «نحن أولى بخير ديرتنا»… رغم أنه لا يمكن قياس كارثة الشعب السوري بحاجاتنا ومشكلاتنا اليومية.
أياً كانت أسباب النقد للحكومة التي كانت توجّه خطابها التقشفي في ذلك الوقت لنوابها، وتدعوهم إلى الكف عن طرح المشاريع الشعبوية، إلا أنه في النهاية، يظهر أن الحكومة أو (السلطة) سكتت تماماً عن موضوع «شد الحزام»، وكأنها تيقنت من أنه ليس لديها ذاتها حزام، وتركت بطنها منتفخاً مترهلاً، وصمتت تماماً، نسيت وتناست كل الكلام عن «التقشف» والأولويات الاقتصادية في هذه المرحلة الحرجة، وهي فترة العزاء الممتدة، بوفاة أسعار النفط العالية.
من ناحية أخرى، ما حكاية الحكومة، لماذا لم تعد تتحدث بخطاب توعوي عن أزمتنا الريعية وهدرنا المالي المتواصل مع كارثة اليوم، أكرر كلمة «كارثة» في تدهور أسعار النفط!
المؤكد أن الحكومة أصبحت تخجل و»تخشى» الحديث عن ترشيد الإنفاق ودعوة الشعب إلى المشاركة في تحمّل عبء المسؤولية، بسبب «خمالها»، فمجرد كلامها – حتى ولو بوعود الإصلاح الاقتصادي – يصبح محرجاً لها، لأنها عجزت عن تقديم رؤية إصلاحية، فعلى سبيل المثال، رفعت أسعار الديزل، ثم عادت ووضعت عدة استثناءات على السعر الجديد، وضحت به، ثم هي تهدد اليوم بالضبطية القضائية لمن يهدر بصرف الماء، وكم يبدو هذا مضحكاً حين تخشى الحكومة من رفع سعر الماء والكهرباء متى تجاوز الاستهلاك حدّاً معيناً…!
ولنا أن نقيس بقية الأمور على حالة الخمال في الدولة، والتي يسهل معها مسك يد الحكومة من المكان الذي يوجعها…
من ناحية ثالثة، ماذا فعلت السلطة مع ملف الفساد المالي والإداري، الذي تعيّر به، دائماً، حين تتحدث عن الإصلاح؟، فإدارات الدولة، كما نراها على «حطة إيدكم» فوضى وغياب المسؤولية وروح الجد عند الكثيرين من العاملين في المرفق العام، أما الكبار، فهم على سنّة مرؤوسيهم… في الإهمال، أو هم في حالة عجز عن طرح إصلاح حقيقي كي لا تمس شبكة علاقات المحسوبيات والواسطات التي تنخر في عظام الدولة.
أليس من الأولى أن تعيد الحكومة خطابها عن أزمة الدولة المالية ورؤيتها (إن كانت لها مثل هذه الرؤية)، مرات ومرات عديدة، حتى يستوعب المواطنون حجم الكارثة، بدلاً من هذا الصمت القاتل،،،
أما لهذا الخمال من نهاية؟!