التفاؤل هو أن تقبل على الحياة، وتملك عيناً إيجابية ترى المميزات قبل العيوب، وتبدي الرضا قبل السخط، وأن تغير الحزن فرحاً، والألم راحة، والفشل تجربة تفتح آفاق النجاح. ليس من التفاؤل حتماًَ أن تتحول اتكالياً، تنتظر الرزق وأنت كسول، أو تتوق إلى النجاح وأنت مقصر، أو تتمنى السعادة ومسلكك ينال من الآخرين.
التفاؤل له سحر غير عادي يبث حالة استبشار وإقدام لدى صاحبه. ولذا، يسعى إلى إحداث التغيير وبث الفرح والبهجة في محيط الشخص المتفائل، وتوجد لديه قوة جذب للآخرين لأنه مصدر لحالة الهدوء والبهجة والإقبال على الحياة، لا يستسلم أمام الصعاب والعوائق، يكرر المحاولة، فطموحه يفوق الإحباط، يعيد ترتيب أوراقه وحساباته وتفكيره ليجد مسار حياته في حالة تقدم مستمر، لا يعرف التوقف، وهو الذي يوجد لنفسه فرصاً من ظروف يهرب أمامها الآخرون، وهذه الطبيعة الحيوية والروح المتحركة داخل المتفائل هي التي تحبب الآخرين بالبقاء في رفقته والعيش في معيته.
إن التفاؤل يكسب الشخص بيئة مريحة تتكون من حوله، يصعب تعكيرها أو تلويث أجوائها الصافية، فالحياة بالنسبة له حديقة غناء تتدلى فيها أنواع عديدة من الورد والأزهار التي تبعث على الارتياح، وتهدر في حديقته تلك شلالات المياه التي تتراقص في انسيابها، وتشكّل ألحاناً موسيقية فريدة في تساقطها وتناثر قطراتها، وتغرد فيها طيور الحب وطيور الزينة والطيور الرشيقة في حركتها، وجميعها تصدر أصواتاً متزامنة أو أحادية، ولكنها تشكّل معزوفة تؤدي إلى راحة الأعصاب والاسترخاء. ولذا، فهذا المتفائل يهنأ بهذه البيئة التي يتسابق الناس إليها كي يسعدوا بثرائها المريح نفسياً وفكرياً وجسدياً. ولا يخفى أن التفاؤل يجعل صاحبه يشعر بأن دنياه تتسع على ضيقها وقدرته، تزيد رغم محدوديتها، والحب تكون له معانيه وفنونه رغم غيابه عن الآخرين، ودورة حياته اليومية متجددة متغيرة ومبهجة رغم رتابتها وتكرارها، فهو من يغير الرتابة لتجدد مثير لبهجة الحياة، ذلك هو التفاؤل وتلك هي أحوال المتفائل.
أما التشاؤم، فهو يمثل حالة انزواء وهروب من الحياة، يعتمر صاحبه نظارة سوداء تفقده القدرة على رؤية النور وإبصار الطرقات والمسارات المريحة التي تيسر مسيرته في الحياة، وتأمن وصوله بسلاسة واقتدار. ولذا، فإنه يصعّب السهل وينظر إلى الإشكالات البسيطة على أنها عقد يصعب تفكيكها، ويبالغ في التعامل مع ظروفه، بل ربما يستسلم لها، يعيش وهم همها غير الموجود إلا في نفسه. ولذا، يفسر نظر الآخرين أو كلامهم أو تحركهم أو حتى همسهم أو ضحكهم على أنه موجه إليه، بل ربما يعتبره ترتيباً أو تآمراً ضده، يبرر خوفه أو عجزه أو تردده أو ضعفه أو عدم حسمه لرأيه ورغبته بأن الظروف أقوى منه، ونسي أو تناسى أننا نستطيع إحداث التغيير وتسخير الظروف ومقاومتها، وتحويل الصعاب إلى درجات سلم نعتليه، وصولاً إلى القمة وتحقيق النجاح، وهو الذي يتميز به المتفائل ويعجز عن رؤيته المتشائم.
ولنعلم أن زوايا الدنيا المختلفة وتعاقب الليل والنهار ووجود النور بعد الظلمة وتبديد الفجر لسواد الليل وبلوغ البحر لمده على الشاطئ بعد طول الجزر وبزوغ الهلال واكتماله بدراً بعد اضمحلاله وغيابه، جميعها أمارات ودلائل تقنع الإنسان الذي يعمل فكره بأن التفاؤل هو سمة الحياة، والحالة الطبيعية في ناموسها، ما يعني أنه ليس أمامه إلا التفاؤل الذي هو مصدر البهجة وسر السعادة.. فهلا عشنا التفاؤل ودخلنا ضمن كوكبة المتفائلين، فتلك هي الحياة التي ينبغي أن نعيشها في نفوسنا ومع من حولنا.