هل تكون من إبداعات مجلس العجائب إعادة النظر في موضوع صرف التموين للمواطنين بداعي التقشف والإصلاح الاقتصادي؟! من المؤكد أن مثل هذه الاقتراحات من شأنها أن تكمل طوق الخناق على الكويتيين بعد رفع أسعار الوقود، وما تم الإعلان عنه برفع رسوم الكهرباء، ناهيك عن تخفيض الميزانية العامة للدولة بنسبة تصل إلى 30%، جلها طالت ما كان مخصصاً للتطوير الإداري والبحث العلمي والدورات الداخلية منها والخارجية!
هذا فقط ما تستطيع حكومتنا التفكير فيه للخروج من الضائقة المالية الناتجة عن تراجع أسعار النفط، ويأتي المجلس التابع ليزايد على الحكومة ويستعرض شعار “ملكي أكثر من الملك” دون أن يراعي حتى مشاعر الناس في النيل من حياتهم المعيشية!
قد نفهم تكتيكات الحكومة وتحالفاتها المتقلبة والقائمة على مصلحتها الضيقة، ومن ضمن التحالفات شبه المستقرة “تضبيط التجار” أو ما يطلق عليهم “النخبة الاقتصادية في البلد”، ومثل هذه التحالفات قد لا تخلو من المنفعة المشتركة طالما المال العام تحت إمرة الحكومة، ومفاتيح الصرف محتكرة على مجموعة من الشركات وأصحاب النفوذ، ومخارج إنفاق هذه الأموال الطائلة لا يعلم رموزها السرية سوى أصحاب القرار السياسي والراسخين في المال والثروة، وفيما عدا ذلك فليشرب الآخرون ماء البحر!
لكن أن يقحم النواب أنوفهم في هذه المعادلة فـ”كوجا مرحبا”! فناهيك عن نصوص الدستور التي يقسم أعضاء المجلس في مستهل عملهم النيابي على احترامه والذود عنه، والتي تقضي بالدفاع عن مبادئ العدالة الاجتماعية ورعاية الدولة لأصحاب الدخل المحدود، فإن جميع النواب أو جلهم قد أحرزوا مقاعدهم البرلمانية بفضل أصوات ذوي الدخول المحدودة، وغالبية الدوائر الانتخابية تتشكل من المواطنين البسطاء الذين ينتظرون نهاية الشهر وعيونهم على المعاش، وهم من يفزعون يوم الانتخاب عندما يتودد المرشحون لكسب رضاهم وتأييدهم وصوتهم الانتخابي! وبعد ذلك قد لا يكتفي بعض النواب بتجاهل هموم المواطن وطموحه، بل يستغل صلاحياته التشريعية لعصر هذا المواطن ومحاربته في لقمة عيشه إرضاءً للحكومة وتوابعها!
قد لا نحمل تفسيراً أو مبرراً لهذا المسلك السياسي يدور حول المنطق والإنصاف، ولكن بالتأكيد يعكس ذلك هروب بعض النواب من مواجهة صور الفساد والتنفيع رغم توافر الأدلة والمستندات بين أيديهم وما تحمل من شبهات، ويلجؤون بدلاً من ذلك إلى الحلقة الأضعف وهي المواطن، فيتفننون في مضايقته وكسر شوكته!
من أهم مسؤوليات النائب، رغم الكثير من التزاماته الاجتماعية والشكلية، القراءة ومتابعة التقارير والدراسات والاسترشاد بأهل الاختصاص والاستهداء بتجارب الدول الناجحة، خصوصاً في مجالات التنمية والتطوير والإصلاح السياسي والاقتصادي، وتكوين ثقافة سياسية تؤهله لممارسة دوره التشريعي والرقابي وإبداء الرأي في الشأن العام، ولعل في مقدمة الدراسات والتوصيات التي تصدرها المؤسسات العالمية كالبنك الدولي وغيره، الشفافية ومحاربة الفساد الحكومي اللتين تأتيان في طليعة الاهتمامات ومتطلبات الإصلاح، وإن تضمنت هذه المتطلبات بعض صور التقشف على المواطنين، لكن يبدو أن الكثير من ممثلي الشعب لا يرتقون إلى مستوى الثقافة الأممية، ويبدو أن طريق الحكومة هو الأسهل والأدسم، فلمَ العناء؟!