يستمر المخاض السياسي في منطقة الشرق الأوسط في إطار ديناميكية إقليمية-دولية سريعة جداً، الأمر الذي قد يعكس نتائج مهمة على الأرض في المستقبل المنظور، وأقطاب هذه المعادلة الجديدة هي تركيا وإيران وروسيا والصين، أما محورها فهو سورية.
السياسة التركية شهدت تحولاً لافتاً بعد إقالة رئيس الوزراء داود أوغلو والهزة الكبيرة التي تعرض لها حزب العدالة والتنمية بعد الانقلاب العسكري الفاشل، وانتقل إردوغان سريعاً في اتجاه الشرق ليغلق ملف الخلافات مع إسرائيل، وليتصالح مع بوتين، وليقيم استراتيجية جديدة مع إيران، وتركت أنقرة الكثير من شعاراتها السابقة خلف ظهرها، وفي مقدمة ذلك المشروع العثماني والإمبراطورية الإسلامية، والتخلي عن فكرة إسقاط نظام بشار الأسد والابتعاد عن الحليف الأميركي.
الثقل السياسي والعسكري الكبير لروسيا في سورية، من جهة ثانية، قلب موازين القوة لمصلحة الحكومة والجيش السوري، والعمليات العسكرية الأخيرة للطيران الروسي من القواعد الجوية الإيرانية، قد تكون بمثابة الإعلان الرسمي لموطئ قدم مهم للروس في الشرق الأوسط، وبداية الانتشار في مفاصله المهمة، ومن أمثلة ذلك الموقف السياسي من اليمن بعد إعلان المجلس السياسي الجديد، ودخول الصين على هذا الخط يمكن اعتباره قيمة مضافة تعزز من أهمية هذا التحالف الجديد وقوته وتماسكه.
على الطرف الآخر، تعيش الولايات المتحدة أكثر مراحلها المتذبذبة في السياسة الخارجية، وفقدت أو تخلت عن العديد من حلفائها التقليديين، ويشمل ذلك مصر والسعودية وإسرائيل وتركيا، وتبدو أوروبا غارقة في مشاكل الركود الاقتصادي، واحتمالات ضعف الاتحاد الأوروبي أو تفتته، وحالة الذعر من الإرهاب في عقر دارها، وهذا مؤشر واضح على بدء انحسار النفوذ الغربي في عموم منطقة الشرق الأـوسط.
دول الخليج من جهتها هي الخاسر الأكبر في المعادلة الجديدة، فقد خسرت الرهان أو تكاد تخسره في سورية وتخلت عن العراق، ولم تنجح حتى الآن في المعترك اليمني لا عسكرياً ولا دبلوماسياً، والتحالف العربي بقيادة السعودية في اليمن رغم ولادته الضعيفة بدأ بالضمور بسبب الخلافات الحادة حول مستقبل اليمن بين أقرب المقربين في هذا التحالف، وتسرب القوى الإقليمية تباعاً بدءاً بمصر وباكستان، ثم تركيا ونيجيريا، وأخيراً الولايات المتحدة التي أمرت بسحب مستشاريها العسكريين من الميدان اليمني، ونفقات الحرب في اليمن في ظل انتهاء عصر البترو دولار صارت تثقل كاهل الخليج بشكل موجع، والنتيجة النهائية هي أن مجلس التعاون باستثناء عمان سيجد نفسه وحيداً سياسياً وعسكرياً ليس في الملف اليمني، بل حتى في الميدان السوري والعراقي.
دول الخليج تملك مقومات السياسة الناعمة والدبلوماسية الناجحة، وما زالت تملك رصيداً إقليمياً ودولياً مهماً، ولديها من التحديات الداخلية في التنمية والاستعداد للمستقبل وعدم الركون إلى النفط كثروة جاهزة من غير تعب ومشقة، مما يحتم عليها بناء استراتيجية داخلية وخليجية عبر شبكة من العلاقات المتينة مع دول العالم، وعدم الركون إلى أطراف قد تبيعها بين ليلة وضحاها!