تركز رواية آلموت لفلاديمير بارتول في المقام الأول على قضايا سياسية صرفة ، بعيداً عن المعتقد أو المذهب أو الفكر.
آلموت ما هي إلا قلعة ارتبطت تاريخياً باسم حسن بن الصباح ، زعيم النزارية الشيعية الإسماعيلية نسبة إلى نزار بن المستنصر بالله الخليفة الفاطمي آنذاك . لكن هذه القلعة شهدت عدة مشاهد مهمة مازالت حية في صفحات التاريخ و الأدب منها رواية آلموت ، وسنحاول من خلالها تسليط الضوء على الآلية التي اتبعها حسن بن الصباح في تأسيس هذه القلعة التي ارتبطت باسمه حتى الآن .
اتبع ابن الصباح شعاراً فكرياً ، خرج من خلاله عن مسار نشأته الشيعية الاثناعشرية ، ومرتدياً غطاء الإسماعيلية وهو “لا شيء حقيقياً ، كل شيء مباح ” . ومن هنا استطاع بحيله ودهائه الفكري والفلسفي أن يصل إلى إيجاد الطريق الذي اتبعه معسكر آلموت وجنوده من فدائيين و دعاة ومعلمين ونساء ، حتى أن أصبح السيد المقدس وكيل الله والذي يملك مفتاح الفردوس .
من خلال الفردوس وحورياته وحدائقه وخموره ومفتاحه المصطنع ، نجح بن الصباح في تصفية خصومه عندما تم اغتيال نظام الملك و سلطان الدولة السلجوقية بواسطة الفدائيين الذين وقعوا في مصيدة بن الصباح الفكرية ، وهذا ما عزز سلطة زعيم الجبل وأدى إلى استقطاب أعداد كبيرة متسابقة للوصول إلى جنة زعيم آلموت و نعيمها .
ويمكن تقسيم هذه الرواية إلى محورين رئيسيين ، نحاول من خلالهما إيجاز جوهر آلموت الحقيقي وسيدها الذي تزعم صفحات وفصول هذه الرواية ، وهي كالتالي :
أولاً – المحور السياسي :
إن قلعة آلموت ما هي إلا قلعة ثورية تعكس استبداد الزعيم حسن بن الصباح ، وسلطته الشمولية التي استطاع من خلالها أن يسيطر على كافة جوانب الحياة الشخصية والعامة لمجتمع آلموت باختلاف فئاته ، ويمكن توضيح ذلك عبر إستراتجية السيد في ترويضه الفكري لأكبر عدد من الناس عن طريق الدعاة ، لهدف الوصول إلى الزعامة و القيادة والسيطرة وتصفية خصومه ، والثورة ضد الدولة السلجوقية عن طريق خدمة القضية الإسماعيلية ورموزها ، بالإضافة إلي حلفه مع الدولة الفاطمية والمطالبة بعد ذلك بالاستقلال عنها لنجاح قضية آلموت التي لا تمت الإسماعيلية بصلة .
ثانياً – المحور الإجتماعي والديني :
إن من أهم أسباب نجاح قضية زعيم آلموت ، هو الإيمان الراسخ بالقضية الإسماعيلية لدى أفراد آلموت ، بالإضافة إلى التربة الخصبة التي استطاع السيد استغلالها في المدن كالري وخوزستان الداعمة للقضية الإسماعيلية ، والتي أصبحت تمثل المراكز الرئيسية لدعوة زعيم آلموت . و يمكن القول أن حسن بن الصباح استطاع أن يخفي إلحاده بفكر هؤلاء اللذين كانوا السبب الأول في تحقيق أهدافه و نجاحه كزعيم للقضية .
نجح الكاتب بجدارة في تناول قضية آلموت وزعيمها حسن بن الصباح ، من خلال استخدام شخصيات عديدة أضافت معاني وجوانب فكرية عميقة في هذا الرواية . وأجدني أمام قضية هامة تناولها الكاتب في هذه الرواية وهي قضية الإرهاب التي نعاني منها في الوقت الراهن .
عندما يغيب الفكر و يسلّم العقل لزعيم أو قائد أو حاكم ، ستكون النتيجة حتماً نجاح الإرهاب أو العنف لخدمة أهداف شخص واحد ، وهذا أحد المشاهد المهمة والجوهرية التي تناولتها هذه الرواية بشكل غير مباشر . الإرهابي ما هو إلا نتيجة لسلوكيات نظام مستبد و شمولي وغير عادل ، لذلك أجد في شخصيات قلعة آلموت باستثناء حسن بن الصباح ضحايا لفكر منحرف عجز عن مواجهة الأفكار الأخرى واتخذ طريق العنف والإرهاب .
بالنسبة لي كقارئ لا يعنيني موضوع الحشاشين المغيبين عن الحقيقة تحت أثر بدع لا صحة لها ، بقدر ما يلفت نظري موضوع الفقر الفكري الذي نعاني منه في هذه الأيام والذي تسبب في تأخرنا وجمودنا وبقائنا في القاع .
فدائيو حسن بن الصباح ، ما هم إلا مرآة عاكسة لحال التخلف الفكري والديني ، الذي نعاني منه في هذا الوقت ، فهاهي داعش و تيارات سياسية و دينية متطرفة ، تبرهن أن ” الحشيش ” ليس مجرد قطعة يتم تناولها فقط ، بل هو غياب فكري طويل الأمد لا نهاية له عن الواقع والحقيقة ، وهذا ما دفع حكام و زعماء اليوم إلى استغلال ذلك لأجل قضاياهم و مصالحهم الشخصية أو الحزبية .
في أحدى مشاهد هذه الرواية ، قال حسن بن الصباح لأتباعه أن ” قصة علي والمهدي ليست إلا سراباً مخصصاً إلى عامة المؤمنين ، وأن القرآن هو ثمرة عقول مختلة ” . وهو بذلك أزال أية حدود أمامه للتعامل مع محيطه بالطريقة التي يصبو إليها . والسؤال الذي يطرح نفسه في هذا المقام ، كم عدد هؤلاء الذين يشابهون حسن بن الصباح والذين يعيشون بيننا و يقودون هذا الأمة المغيبة عن الحقيقة والحقوق ؟ وهل يوجد بيننا من يقبل بهذه القيادة ؟ أعتقد أن الإجابة على هذه الأسئلة، ستوضح الخلل الفكري الذي نعيشه في هذه الأيام ومدى تأثيره على الحقيقة و الواقع الذي غاب عنه عدد كبير من هذه الأمة . بل و أجد أن الإجابة على تلك الأسئلة السابقة سيكون نتاجها صراع فكري من جهة و عنف و إرهاب من جهة أخرى ، هذا هو حالنا باختصار .
آخر مقالات الكاتب:
- ساعة مع الغنوشي
- من هم الإسلاميون التقدميون؟
- الإسلاميون والكماليون في تركيا: صعود الهامش وتراجع الأساس
- الحشاشون في المخيلة الروائية
- قراءة في قرار مشاركة “حدس”
- وعود حزب النهضة التونسي
- حزب حركة النهضة التونسي : من خيار الدمج إلى خيار الفصل
- أزمة الفكر العربي
- قراءة لقصة مناضل يعيش بيننا الآن
- لم تكن سجيناً يا أبا حمود