القانون يمنع مكاتب المحاماة من الترويج لنفسها عبر الإعلانات التجارية، لذلك تضطر بعض المكاتب إلى استغلال أي حدث ولو كان صغيراً، كي تقف من بين الجموع المكتظة وترفع يدها وتصرخ: نحن هنا.
بعض هذه المكاتب، كما نرى في الصحف، يعلن انتقالَ مقره من منطقة إلى منطقة، وبعضها يعلن ترحيبه بمحامٍ شهير انضم إلى طاقم المكتب، ويضع عنوان المكتب وتخصصاته وما إلى ذلك، وبعضها يعلن تطوعه للدفاع، من دون أتعاب، عن مظلومين في قضايا يرى أنها مستحقة… وغير ذلك من التدابير والطرق المحترمة للإعلان.
أما ما هو غير محترم، فهو تصرف بعض مكاتب المحاماة، التي تتسابق إلى رفع القضايا على أصحاب الرأي. وعادة ما يكون هذا الرأي قد أحدث ضجة في المجتمع، وأغضب الناس، وأصبح حديث المدينة، فيستغل المكتب هذا الموضوع للترويج والإعلان عن نفسه.
وأنا هنا أتحدث عن أصحاب الآراء، لا الشتامين، ولا دعاة شق الوحدة الوطنية، ولا من شابههم. فعلى سبيل المثال، يظهر مواطن على شاشة التلفزيون ليطالب المواطنين بالمساهمة من جيوبهم للمال العام، ولو بـ”قرطوع صغير” أو “قرطوع زغيّر” كما قال، حفظه الله.
وقبل أن ينهي جملته، ثارت في وجهه قنبلة شعبية نووية، لم تبق ولم تذر. فضحك عليه من ضحك، وسخر منه من سخر، وتولى هذا الرد عليه بحجة مقنعة، وتولى ذاك الرد بحجة من سكراب أمغرة، واتهمه هذا بالانتفاع من الحكومة، ووصفه ذاك بأنه بيدق صغير من بيادق الحكومة التي ترميها في وجه الشعب لتقيس مدى رضاه وغضبه، قبل اتخاذ قرارات كهذه. بل راح بعضنا يسخر من شكله ووجهه وآثار النعمة البادية عليه، وتكفل بعضنا بتعرية حجته وإضعافها، وهي الضعيفة العارية أصلاً، ووو…
وكل هذا مسموح، وفي إطار الرأي والرأي الآخر، لكن الغريب هو تسابق بعض مكاتب المحاماة، كما قلت في بداية المقالة، إلى رفع الدعاوى القضائية عليه، وعلى صاحب الدراسة التي نشرتها جريدة القبس، والتي تحدثت عن انخفاض الولاء بين طلبة الشريعة! وغيرهما ممن أبدوا رأياً، أو طرحوا فكرة، أو قدموا دراسة، بغض النظر عن مستوى هذا الرأي أو مصداقيته أو الهدف من ورائه.
والحمد لله أن الأمور توقفت عند هذا الحد، ولم يطالب أحد بتعليق صاحب القرطوع من قرطوعه، أو عرقوبه، في ساحة الصفاة، ولا بتقطيع أصابع صاحب الدراسة التي تحدثت عن طلبة الشريعة، ولا بسحل ذاك الذي أبدى استغرابه أن تكون درجة الحرارة في الكويت تبلغ الخمسين درجة، في حين يلتحف المواطن في منزله ببطانيتين.
مع يقيني بأن رأي الأخ (أبو بطانيتين) مصاب بالحمى والهذيان ويحتاج إلى بطانيتين. ومع ثقتي بأن دراسة الأخ التي تحدثت عن طلبة الشريعة لا تختلف عن دراسة الحكومة عن وجوب رفع سعر البنزين، وكلتاهما تندرج في باب “حادة بادة يا جرادة”. ومع إيماني بأن القرطعة لا تتم إلا في ظل إدارة صالحة، توقف النهب، وتحاسب ذوي القراطيع الكبرى، قبل أن تلتفت إلى قرطوع المواطن “الزغيّر”… لكن هذا لا يشفع لي بطلب محاسبتهم على آرائهم، ولا تشجيع من يرفع الدعاوى القضائية عليهم.