مبادرة مبرة دشتي الخيرية بدعم التعليم لأبنائنا من فئة البدون مشروع إنساني يعكس كل معاني السمو والأخلاق النبيلة، ويتحمل ما تقاعست عنه الدولة بمؤسساتها وميزانيتها التي يهدر منها الكثير في المنافع الشخصية والتجاوزات المالية، ناهيك عن الضرر البالغ الذي تلحقه بسمعة بلدنا وماضيه الجميل في دعم التعليم للأشقاء من مختلف ديار العالم.
المبادرة التي أطلقتها مبرة دشتي، والتي تبدو عليها بصمات الأخ الكريم د. عادل دشتي، تترجم كذلك الغايات التي يفترض أن تنشدها الجمعيات الخيرية، ومجال عملها الوطني داخل الكويت.
قضية البدون في الكويت بشكل عام، والتي تحولت إلى مشكلة متعددة الأبعاد، ودخلت عقدها الخامس دون وضوح في الرؤية لحلول جذرية، تبقى متأرجحة بين ثنايا العناد والصفقات السياسية تارة، وتتنازعها القناعات الشخصية المتناقضة تارة أخرى، ولذلك نجدها كقضية بلد تطفو إلى السطح بمجمل همومها وشجونها وسرعان ما تخبو من جديد، كما تشهد انفراجاً مبشراً ولو بشكل جزئي أحياناً لتعود موجة التضييق والانتكاسة أحياناً أخرى لحين بروز مبادرة أو مشروع، كما هي الحال في المبادرة الدشتية!
التعليم في حد ذاته من أهم تطبيقات الاستثمار البشري، ومن خلاله تقاس مؤشرات التنمية والتطور في أي بلد، والتعليم لم يعد حبيس فرص العمل وضمان الوظيفة في ظل الفضاء العالمي المفتوح، لذلك فإن فتح المجال أمام أبناء البدون في التعليم بدءاً بالتعليم العام وانتهاء بالتعليم المهني والجامعي بكل أشكال الدعم يعتبر في حد ذاته مشروع بناء إنسان، وهذا الإنسان بمهاراته وإبداعاته وعقليته ستتنافس عليه أسواق العمل في مختلف أنحاء العالم، وشخصياً شهدت بعض الأمثلة لمجموعة من البدون ممن عرضت عليهم فرص التعليم العالي ودراسة الدكتوراه في جامعات عريقة وبرواتب مجزية احتراماً لمستواهم العلمي، كما أن هناك من الفتيات والفتيان البدون ممن يعملون مع شركات عالمية عبر تقنية المعلومات الذكية وبمكافآت متميزة وهم في الكويت.
أجد لزاماً على كل مقتدر أن يساهم في إثراء مبادرة المبرة الخيرية وتمكينها بما تجود به نفسه وقدراته لعدة أسباب، أولها أنها مبادرة خيرية بمعنى الكلمة وفي موضعها المناسب والصحيح، ثانياً بينت تجربة الصندوق الخيري للتعليم رغم هشاشته نجاح الفكرة من حيث التفوق العلمي وحصد الدرجات والنسب العالمية للكثير من أبناء البدون في نتائج الثانوية العامة على مدى السنوات القليلة الماضية، ثالثاً تستحق هذه المبادرة كل التشجيع لتكون نواة لمبادرات مشابهة نتمنى أن تقوم بها عشرات المبرات الخيرية في الكويت، ورابعاً أن هذه المبادرة تحفظ قضية البدون في بلدنا من الضياع والنسيان بسبب الإهمال الحكومي من جهة، وتجاهل مجلس الأمة والموقف المشين للجنة التعليمية تحديداً لهذا الملف بسبب ضعف النواب وخضوعهم لأوامر الحكومة، ولتبقى الإرادة الشعبية مصدراً مهماً لتبني القضية.
أخيراً، وعلى عكس المنطق والحكمة، فإن السياسة الحكومية تحمل معها مؤشرات خطيرة في اتساع حجم البدون بدلاً من تقليص أعدادهم، وهذا ما نلاحظه من خلال الحملة المنظمة لسحب الجناسي وزيادة ألم هذه الشريحة، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.