“أنا لا أجول على محطات التلفزة، ولا أحب الثرثرة خلال الغداء، ولا أحتسي الكحول في حانات البرلمان، ولا أوزع العواطف المجانية، أنا أقوم بعملي لا أكثر ولا أقل”.
تيريزا ماي
رئيسة الحكومة البريطانية
****
شعرت بالكثير من النفور من الموجة الإعلامية التي حاولت “تفصيل” شخصية رئيسة الوزراء البريطانية الجديدة تيريزا ماي لتبدو مجرد نسخة مكررة من الراحلة “تاتشر” أو نظيرتها المستشارة الألمانية “أنجيلا ميركل”، والأسباب كثيرة، أهمها سقوط القناع الأخير في حياة السياسي وظهور وجهه الحقيقي برغبته أو رغما عنه تلبية لمتطلبات “الرياسة” وقيادة الدولة والشعب.
إن المقاربات السطحية التي ترافق وصول كبار المسؤولين تتجاهل الفوارق الزمنية وبنية النظام وطبيعة القضايا والتحديات التي تواجه كلاً منهم، ولعل الجفاف الظاهر في وصف تيريزا لنفسها لا يعني أن روح المرأة الحديدية تاتشر عادت من عالم الأموات لتسكن جسدها، كما أن انتماءها لجنس المرأة لا يسهل عملية التنبؤ بقراراتها قياسا بسلوك ميركل، هذا إذا افترضنا أن القرارات في البلدين تتخذ بشكل فردي لا مؤسسي.
الراحلة تاتشر لم تكن تكترث بنتائج استطلاعات الرأي لأنها مقتنعة أن القرارات التي تصب في مصلحة الناس لا تظهر نتائجها فورا، وقد خسرت في النهاية منصبها ليس لخلل أصاب كفاءتها، ولكن لأنها لم تستوعب الواقع المتغير في عالم صناعة الرأي العام.
اليوم لا تستطيع تيريزا ماي تجاهل الثورة الرقمية في مجال تبادل المعلومات، ولن تصمد بعيدا عن محطات التلفزة، ولسوف تتعلم الثرثرة خلال الغداء واحتساء الكحول في حانات البرلمان وخارجه… إلخ، لأنها تسلمت دفة قيادة بريطانيا في مرحلة دقيقة “حقيقية”، من أهم عناوينها خروج بريطانيا من عضوية الاتحاد الأوروبي ومستقبل العلاقة معه، وأخيرا مصير الكيان البريطاني الذي يواجه خطر التفكك، هذه الملفات الثقيلة لن تدار بالتأكيد بطريقة تاتشر، وميركل لن تكون هي السند في تخريج بريطانيا بسهولة من الحفرة الأوروبية.
ختاماً في السياسة لا توجد طرق مستعملة يمكن سلكها، لأن كل طريق رسمته توازنات عصره وعبدته مصالح أقطابه، وقد تتشابه الطرق في أطوالها لكنها لا تتطابق في انحناءاتها، وكل سياسي يسلك طريقه الخاص حتى لو كان من سبقه من حزبه أو فكره أو من صلبه.