لا شك أن موضوع التصهين والصهينة في المنطقة يأخذ شكلا انتقاميا، كمادة لصراع التيارات، أكثر من كونه نقدا موضوعيا، ومع ذلك، وفي كل مرة يبرز فيها خبر يتناول فكرة التطبيع مع إسرائيل، يشتعل السجال حول التصهين، وإن كان الأمر أكثر جدلية حين يكون التطبيع بين إسرائيل ودول المنطقة العربية والإسلامية في الشؤون السياسية، الدبلوماسية، الأمنية أو الاقتصادية والتجارية، إلا أن الجدل يأخذ مداه أيضا في الواقع الثقافي والعلمي. على سبيل المثال، برزت في الأشهر الأخيرة فقط كثير من الأخبار التي كانت محط جدل واسع تتضمن مفارقات أوسع.. من بين ذلك ظهور الكاتب اللبناني أمين معلوف في برنامج ثقافي على شاشة إسرائيلية. تعرض معلوف لهجوم على اعتبار ذلك خيانة وسقطة تعطي شرعية غير أخلاقية لوسائل الإعلام الإسرائيلية، بوصفها أداة مهمة للاحتلال. في الجانب الآخر اعتبر آخرون الخطوة طبيعية ومبررة على اعتبار أن ما قام به ينبع من صميم حقه في الترويج لقيم الثقافة والتسامح.
كذلك الأمر بعد وفاة العالم المصري أحمد زويل قبل أيام، الذي اتهم بالصهينة من البعض، لأنه عمل على بحث علمي من منصبه العلمي في أمريكا – كأمريكي الجنسية – مع معهد إسرائيلي، لكن النبش في حيثيات ذلك مثيرة أيضا. الأشخاص أنفسهم الذين اتهموه بالصهينة كان قد تبدل حكمهم تجاهه سابقا حين أبدى رأيا جيدا في الرئيس المخلوع محمد مرسي، لكن عادوا لاتهامه بالصهينة حين تعامل مع الرئيس عبد الفتاح السيسي. وقد قرأت أخيرا أن شاعرا سوريا كي ينفي تهمة التطبيع حين أصدر ديوانا له عن دار نشر في حيفا، برر بقوله إن صدور ديوانه من مدينة فلسطينية تقاتل لأجل هويتها، هو تحية للمقاومة ضد الاستعمار، وبذلك انتفت الهجمة المحتملة. وقد سبق أن تعرض الشاعر الفلسطيني محمود درويش لهجوم حين أحيا ندوة شعرية في حيفا، باعتبار ذلك تطبيعا، في حين اعتبره آخرون تحديا لإسرائيل! فلسطينيو 48 كذلك تتم مقاطعتهم لأنهم متهمون ببقائهم في أرضهم، حتى أن عودة اللاجئين، قد تعتبر من بعض الفصائل عودة إلى إسرائيل، باعتبار ذلك تطبيعا وخيانة أيضا، وكأن الهجرة هي الحل!
دراسة موضوع التطبيع وأمثلته مثيرة في شأن السجال والتعاطي مع قضية الصراع المعقد مع إسرائيل؛ بين تمرير المبررات أو التحشيد ضد فكرة التطبيع. وربما لم يكن الأمر على هذا الحال سابقا، فقد كانت الفكرة ذات وطأة أشد لأن الأفكار أكثر تشابها. هل يختلف الأمر الآن؟ قد يبدو كذلك في نظر البعض، لكن وإن كانت متغيرات المنطقة والمصالح الاستراتيجية سببا مهما، فإن الأيديولوجيا تلعب دورها في النظر إلى التطبيع من عدمه وفي إدانة أو التبرير للشخوص أو العكس، ففكرة التطبيع التركي مثلا ليست هي فكرة التطبيع من دولة أخرى كالسعودية، كذلك كانت في مصر أيام حكم مرسي والآن، وهكذا يمتد الأمر من الدول والسياسات إلى الأفراد وحتى القنوات التلفزيونية، فما قد يعد تصهينا في قناة كالعربية قد لا يعد كذلك في الجزيرة.
في الحقيقة، المعركة بها الكثير والمثير من المفارقات التي تستثمر فيها الأسباب والذرائع والمبررات.