في مايو 1960 اختطفت إسرائيل الزعيم النازي الإبادي ادولف آيخمان من الارجنتين، وبدأت محاكمته الشهيرة التي انتهت بإعدامه وحرق جثمانه ورميه بالبحر كي لا ينجس تراب أرض اللبن والعسل. وقد تزامنت تلك المحاكمات مع صدور تسع دراسات نشرت ما بين أعوام 1961 و1964 بقلم الحاخام موشيه شونفيلد، اتهم خلالها بعض قادة الحركة الصهيونية بأنهم لم يقوموا بما يجب لإنقاذ يهود أوروبا إبان الاضطهاد النازي، وان هؤلاء رفعوا شعار «دماؤنا زيت إنشاء وطننا»، حيث قدموا مشروع إنشاء الدولة على كل ما عداه.
***
خلال المدة القصيرة الماضية شهدت مدينة حلب التاريخية في الشمال السوري مذبحة كبرى قامت بها طائرات النظام السوري المغيرة على الشعب السوري في وضع فريد بالتاريخ، وقد سالت بها الدماء أنهارا، وبعدها بأيام قليلة انفجرت عدة سيارات مفخخة في سوق شعبي في مدينة الصدر شرق بغداد، ومرة أخرى تسيل دماء الفقراء والأبرياء أنهارا، والغريب ان الفاعلين بالجريمتين الإباديتين معروفان للعالم اجمع، فالأولى ارتكبها النظام السوري الذي يرفع زورا شعار العروبة، والثانية ارتكبها تنظيم داعش المجرم الذي يرفع زورا شعار الإسلام، وفي الجريمتين كان الضحايا الأبرياء عربا ومسلمين ضمن مسلسل تخريبي قائم في عدة دول عربية شعاره «دماء شعوبنا وقود خراب أوطاننا»، فالأحقاد وكم الدمار الذي ينشأ من تلك الجرائم الكبرى سيصعب نسيانه لعقود وربما لقرون من الزمن!
***
ونسب قبل مدة للمفكر والفيلسوف السعودي الأستاذ إبراهيم البليهي صاحب سؤال «لماذا نحن متخلفون؟» مقولة ان من نفخر بهم من علماء المسلمين ونقول انهم من نقل فكر الحضارة والتنوير والتسامح إلى أوروبا في قرونها الوسطى، هم تماما من تم تكفيرهم وحرق كتبهم ومعاقبتهم وسجنهم أو حتى قتلهم في أوطاننا بتلك الفترة، ونضيف لمقولة البليهي الصادقة وبأسف شديد أنه لو قدر وولد فلاسفة ومفكرو عصر النهضة الأوروبية والعالم امثال روسو وفولتير وكانط ولوك وبيكون وهيوم وديكارت وغيرهم ممن اخذت أوطانهم وشعوبهم بأفكارهم فنهضت وتقدمت، في بلداننا لاضطهدوا، ولربما قتلوا وأحرقت كتبهم، وما كان للبشرية جمعاء ان تستفيد منهم شيئا.
***
آخر محطة:
(1) حتى تتحول دماؤنا من وقود لخراب أوطاننا إلى وقود لإعمار تلك الأوطان، كي نحاول اللحاق بركب الأمم الأخرى التي قاربت قوافلها على الاختفاء تحت الافق البعيد، علينا ان نؤسس من تحت الرماد لأوطان جديدة تقوم على معتقدات فكرية جديدة تساوي بين الناس وتحترم العقل ومتغيرات العصر وتوقر وتقدر المفكرين والمثقفين والفلاسفة وتزدري الجهل والتعصب واستباحة الدماء، فطوفان الجهل والتشدد سيجعل شعوب المنطقة تعيش خارج عصرها الذي تؤمن شعوبه بالاعتدال والانفتاح والسلام الاجتماعي.
(2) ما أسهل في أوطاننا هذه الأيام أن تكون جاهلا وحاقدا ومتعصبا! وما أصعب ان تكون.. العكس من ذلك!