تعتبر لندن المدينة الأكثر شهرة في العالم، متجاوزة نيويورك، بتاريخها الطويل وعراقتها، وكانت عاصمة أعظم إمبراطورية استعمارية عرفتها البشرية.
تتميز بريطانيا، وجناجها الإنكليزي بالذات، بالميل للمحافظة في كل ما يتعلق بالعادات والتقاليد، سواء ما تعلق بالبلاط أو بالكنيسة أو حتى في طريقة الحديث، وغالبية سكانها يعتبرون انفسهم، ربما عن جدارة، الأكثر عراقة من غيرهم، فملكة بريطانيا هي راس الكنيسة الإنكليكانية، وزعيمة الكومونولث، وتحت جناحها كندا واستراليا وغيرهما.
ومع كل ما تمثله بريطانيا من صرامة، فإن صديق خان، ابن سائق باص من اصل باكستاني ومسلم، ومن طبقة هي الأدنى في سلم المجتمع البريطاني، تمكن من هز عرش المدينة، بكل ما تمثله من بروتستانتية محافظة، ليفوز بعمادة العاصمة الأشهر في العالم، في تكرار رائع لما قامت به أميركا قبل 8 سنوات، عندما صوتت لأوباما، ذي الأصول الأفريقية المسلمة، رئيساً، والسر أن هذه الشعوب اختارت الأمل بدلاً من الخوف، والتغيير بدلاً من الجمود، والتسامح بدلاً من العصبية، والإنسانية بدلاً من العنصرية، والانفتاح بدلاً من الانغلاق!
يحدث كل هذا وغير ذلك من تغيرات وتبدلات في العالم من حولنا، ونحن وكأننا لسنا من هذا الكون ولا من هذه البشرية، وبعض شيعتنا مشغولون بإفناء بعضهم، قبل التفرغ لإفناء السنة. وبعض سنتنا يريدون أكل بعضهم بعضا، قبل ان يتفرغوا لمصمصة عظام الشيعة، والكل مشغول هل صديق خان شيعي أم سني؟ ولا نزال نعاني من فرص التحاق البعض بأكثر الوظائف تواضعا، لأن مذهبهم يخالف مذهب الأغلبية، فيما العالم من حولنا يغلي بالتغيرات والتطورات الإيجابية، وبعض نوابنا «غير الأشاوس»، المنتمون منهم لعصور خلت، منشغلون بمنع الاختلاط، وفرض النقاب، ودعوة أبناء غيرهم للجهاد.
الحسرة تملئ القلب، فما باليد حيلة غير الكتابة، وإشعال شمعة هنا، وفتح نافذة هناك.
* * *
تونس غير، هكذا كانت دائما، مختلفة عن باقي العشرين وكذا دولة عربية.
تونس بورقيبة، الذي بقي ارثه حيا، على الرغم من كل ما أصابه من تلف نتيجة تشبثه المعيب بالسلطة، ستبقى غير. فقد قرر بعض نواب برلمانها، وهو البرلمان الأكثر حرية وحيوية في عالمنا المتهالك، القيام بمبادرة طرح مشروع قانون المساواة في الميراث بين الإناث والذكور، وسط توقعات بأن المشروع، كما هو متوقع، سيلقى معارضة كبيرة من المتشددين. فمؤيدوه، يقولون، ردا على معارضيهم، إن الوقت ملائم تماما لمثل هذا المشروع لتعلقه بالحقوق الأساسية للإنسان، ويستجيب لاستحقاقات طالما نادت بها أجيال من الحقوقيين التونسيين. ومجتمع يشكو نصفه من التهميش والنظرة الدونية لا يمكن أن يصبح مجتمعا حرا في تفكيره مبدعا في عمله.
معروف أن تونس قد سبقت جميع الدول العربية في قوانينها العصرية المؤيدة لحقوق المرأة، فهل نتعلم منها شيئا؟