خلال السنوات العشر الماضية كانت تركيا ومازالت محضنا لعشاق حرية التعبير والرافضين لاستبداد أنظمتهم الدكتاتورية، وخاصة من الاسلاميين، الذين تكالبت عليهم الامم من مشارق الارض ومغاربها، وطاردتهم الأنظمة الاستخباراتية في دولهم، ولم يجدوا ملجأً الا تركيا أردوغان، ليحتضنهم ويوفر لهم العيش الكريم، الذي حُرموا منه في بلدانهم، بعد أن ظنوا أن الديموقراطية وسيلة ترضي نتائجها الجميع، ففوجئوا بأن للديموقراطية أعداء، وأول أعدائها من كان يدندن بها ويتغنى بأبجدياتها من التيارات العلمانية والليبرالية ومدعي الوطنية!
تركيا كانت ومازالت قبلة لكل من حُرم من ممارسة مشاعره الدينية والتعبير عن انتمائه الفكري بحرية، وذلك بسبب طبيعة النظام الذي يحكمها، والحزب الذي يدير شؤون الدولة فيها، وهو حزب العدالة والتنمية بقيادة رجب طيب أردوغان، الذي استطاع خلال عقد واحد من تحويل تركيا من بلد متخلف ورجعي وبوليسي، الى بلد ينافس الدول المتحضرة في اقتصاداتها، وفي احترام حقوق الانسان وفي طبيعة النظام العام فيها! ولأن فكر «العدالة والتنمية» ومرجعيته اسلامية، لذلك نجد الجميع حذر من التوافق مع هذه الدولة، التي ألغت أفكار أتاتورك، تلك الافكار التي تدرس الحرية بمفهومها الليبرالي، وهو التحرر من القيود الدينية، بينما تمارس أبشع أنواع التفرد بالرأي واقصاء الآخر، واستبدلتها بأفكار ومناهج الاسلام، مع مراعاتها للتاريخ والجيرة ومصالح البلاد، التي ألزمتها باستمرار رفع شعار العلمانية شعاراً وليس واقعاً!
اليوم فرح الليبراليون والعلمانيون بالخلاف، الذي دب بين الرئيس ورئيس وزرائه، وصفقوا طويلاً لهذا الخلاف، ظناً منهم أن رمزية اردوغان الى زوال، وأن شمس هذا النموذج الفذ الى المغيب، ولم يستوعبوا ولن يستطيعوا، ان الخلفية لهذه الرموز هي التربية الاسلامية، التي تربوا عليها ونشأوا في أحضانها، وان الخلاف وارد في أي لحظة، لكن المبادئ هي التي تحكم وتحدد حدود هذا الخلاف، لذلك خرج داوود اوغلو، وأعلن استقالته بكلمات لا يفهمها الا الكبار، ولا يستوعب معانيها الا الرجال، الذين يحترمون المبادئ التي تربوا عليها.
اليوم تسمع وتقرأ تحليلات وتفاسير لما يجري من المحللين الليبراليين وخصوم التيار الاسلامي الوسطي، كلها توحي بمدى الحقد والكره الذي يكنه هؤلاء لأردوغان، ظناً منهم بأن مرادهم تحقق، وأن استقرار الامور لحزب العدالة والتنمية لم يعد متاحاً، ولا يخفون تمنيهم للجيش بالتدخل لإنهاء الديموقراطية النموذجية، وارجاع البلاد الى المربع الاول قبل عشر سنوات، عندما كان الجيش هو الذي يدير شؤون البلاد، بالضبط كما حدث ويحدث في بعض البلاد العربية، التي رجع العسكر يحكمون فيها من جديد، وكلنا شاهدنا رموز التيارات الليبرالية والعلمانية تصفق لعودة العسكر، وها هم اليوم يتمنون ان ينتهي عهد أردوغان بأي شكل، ولو على يد «داعش»! المهم ان ينتهي هذا النموذج الفذ من الحكام الذي يقلق مضاجع بني علمان.
نقول لهؤلاء رويداً رويدا، فسيلقنكم اردوغان واوغلو درساً لن تنسوه مدى الحياة!