مع إنشاء العراق الحديث أوائل العشرينيات تم تجاهل أسماء المرشحين العراقيين المؤهلين لحكم العراق وتقديم وتفضيل حكم الملك فيصل الاول القادم من الحجاز عن طريق سورية وبصحبته رواد الثورة والوحدة العربية من كبار ضباط الجيش العثماني الذين تحولوا بولائهم لاحقا للشريف حسين بعد اعلان ثورته الكبرى عام 1916 أمثال نوري السعيد وجعفر العسكري وطه وياسين الهاشمي وغيرهم ممن تناوبوا حكم الوزارات العراقية، وقد خلف الملك فيصل ابنه الملك غازي الذي بالغ في توجهاته الوحدوية، متناسيا العراق، وفي عهده حدث انقلاب بكر صدقي 1936 ذو التوجهات الخليط من الكردية والتركية والفاشية والنازية الألمانية دون.. العراقية.
***
مع انقلاب 14 يوليو 58 الدموي تولى الزعيم الذي لا ينام عبدالكريم قاسم حكم العراق، وقد حارب المد العروبي الوحدوي لصالح المد الشيوعي الماركسي الذي يدين بالولاء لموسكو، وتلاه حكم المشير عبدالسلام عارف الذي أعاد الوهج للمشروع القومي العربي الذي يجعل المواطن العراقي يشعر بالخيانة والتآمر ان افتخر بعراقيته وتاريخه الحضاري الممتد لعهود السومريين والبابليين، فما العراق حسب ذلك المفهوم الا ترس في ماكينة الوحدة العربية، واستمر النهج في عهد شقيقه عبدالرحمن عارف بعدما طار عبدالسلام في طائرته لحما ونزل فحما في عملية تفجير ارهابية تم تدبيرها لصالح حزب البعث التآمري المخترق.
***
مع وصول الرئيس احمد حسن البكر وتسليمه مرغما الحكم للرئيس صدام حسين بدأت مرحلة من العداء الشديد للعراق وللمواطنة العراقية وللشعب العراقي تحت الشعارات المدغدغة المختلفة التي شنت حروب الداخل والخارج تحت راياتها، لذا لم يكن مستغربا على الاطلاق ان يتحول ولاء العراقيين الى اميركا وإيران وتركيا وسورية ودول اخرى بعد حرب 2003 كنتيجة مباشرة لعدم زرع الوطنية العراقية الصرفة في نفوس العراقيين منذ نشأة الدولة الحديثة، وذلك الإشكال يمتد لدول أخرى كسورية ولبنان والسودان وليبيا واليمن التي تنازعت شعوبها ولاءات لدول وأفكار وزعامات اقليمية ودولية وتمت محاسبة ومعاقبة وتخوين الولاء للأوطان، ولبئس الثقافة السياسية التي عاشت عليها شعوبنا العربية، والتي ندفع أثمانها دماء وأشلاء.
***
آخر محطة:
(1) تنازعت شعوبنا العربية ومازالت ولاءات ما تحت الاوطان، اي الولاءات المناطقية والعرقية الضيقة على حساب الولاء للوطن، ومثلها ولاءات ما فوق الاوطان، اي الولاءات العابرة للحدود التي تمتد لأفكار ودول وزعامات خارجية حتى لم يبق الا القليل القليل من الموالين للوطن ذاته.
(2) لذا فحل إشكالات دول الدمار العربي القائمة والقادمة يكمن في تقديم ولاء الاوطان بحدودها الجغرافية على غيره والحاجة الماسة لحركات سياسية ترفع شعار الولاء لأوطانها اولا وأخيرا، وبغير ذلك فلن يبقى من دول عربية عديدة ونحن في الطريق الى عام 2020 إلا.. رماد أوطان.. ودخان!