تعود مشكلة الحقول النفطية في المنطقة المقسومة بين الكويت والسعودية إلى الواجهة من جديد، ولكن هذه المرة من خلال المراسلات الرسمية الواضحة التي تمت بين وزيري النفط في البلدين، وعلى الرغم من بعض الانتقادات التي وجهت إلى وزير النفط د. علي العمير واتهامه بالتطاول على الشقيقة الكبرى، فإن الرجل عبّر عن التوجه الحكومي لدولة الكويت، ولا أتوقع شخصياً أن يجتهد الوزير من تلقاء نفسه في الخوض في قضايا سيادية وذات علاقة بالمملكة العربية السعودية دون تعليمات عليا أصلاً!
إضافة إلى ذلك لم يتضمن كلام وزير النفط أي عبارات مسيئة للمملكة الشقيقة حتى تقوم ثائرة البعض، فقد أشار إلى البعد القانوني في الاتفاقيات المشتركة بين السعودية والكويت ومسؤولية الجانب الذي يخلّ بالتزاماته، وهو الطرف السعودي الذي أوقف كامل العمليات بقرار أحادي، ولكن محاولات تغليف الموضوع بعداً سياسياً ضمن حالة الاحتقان الإقليمي هي باعث هذا الشعور العنيف تجاه الوزير.
الوزير يمثل الحكومة، ومن واجبه الدفاع عن الثروة الوطنية والمال العام، والحقول النفطية البحرية والبرية المشتركة في الخفجي والوفرة تدرّ إيراداً مالياً مهماً للميزانية العامة تتراوح بين 3.5 و5 مليارات دولار سنوياً، ويفترض أن يلقى الدعم الكامل لمعالجة هذا الخلل مع الجانب السعودي، ومصدر هذا الخلل سياسي صرف، ولكن يبدو أن الآية باتت معكوسة عند من اتهم الوزير حتى بوطنيته، في مفارقة عجيبة مع موقفهم تجاه مليارات الدولارات التي تهبها الدولة سنوياً للحكام العرب! فالمال العام يبقى كلاً لا يتجزأ، والمحافظة عليه مسؤولية واحدة، وليس في ذلك بأس على مجمل العلاقات الثنائية مع السعودية على المجالات كافة.
من جانب آخر، لعل أكثر المنتقدين للمخاطبات السرية المسربة من مؤيدي الاتحاد الخليجي، فكيف نضمن عوائد الوحدة المستدامة بين ست دول خليجية وعلى نطاق سياسي واقتصادي وثقافي واسع جداً، إذا لم تنجح تجاربنا الثنائية كما هي الحال في المنطقة المقسومة، رغم أن مشروعي الخفجي والوفرة كانا طوال نصف قرن من أفضل المشاريع المشتركة بين دولتين في المنطقة؟!
إن تسريب مراسلات وزير النفط السرية بعد قرابة شهر على تبادلها تحمل دلالات سياسية، ولا محل لها من الإعراب في أصل المشكلة بين الكويت والسعودية، فهذا الموضوع تم تداوله على مستوى أعلى من وزيري النفط بالبلدين منذ عام 2014م، ومن المرجح جداً أن الكشف عن خطابات الوزير العمير في هذا التوقيت له علاقة مباشرة بالخلاف الكبير بين الوزير وبعض النواب على خلفية التعيينات القيادية التي أشرنا إليها في مقال سابق، فخصوم العمير يسعون إلى استغلال ما وصفوه بالإساءة إلى السعودية للإطاحة به سياسياً، في حين ربما يستثمر مؤيدوه ذلك باعتبار الوزير شخصية كويتية مدافعة عن الثروة الوطنية لتعزيز موقفه السياسي، وأياً كان مصدر التسريب على طريقة «الويكيليكس» فإن قضية القيادات النفطية هي التي ستُنسى!