من القواعد القانونية الشهيرة لتحقيق العدالة، القاعدة القانونية التي تؤكد على «أن الأصل في الإنسان البراءة»، وهي القاعدة الأساس في كل قوانين الإجراءات والمحاكمات في العالم المتحضر، ولذلك تنص علية أغلب الدساتير والأديان. فالشريعة الإسلامية تفترض براءة الذمة وحسن الظن بالإنسان سواء كان متهما أو غير متهم.
وكذلك نص الدستور الكويتي في المادة (34) على أن «المتهم بريء حتى تثبت إدانته في محاكمة قانونية تؤمن له فيها الضمانات الضرورية لممارسة حق الدفاع ».
من القاعدة السابقة يستنبط فقهاء القانون ما يسمونه «قرينة البراءة» وهي التي تجعل المشرع يحتاط عند اقرار القوانين من المساس بحرية وحقوق الأفراد ولذلك نجده يقيد سلطة القبض القضائي ولا يسمح لهم إلا بالقدر الضروري للوصول للحقيقة.
إن مقترح مرسوم زيادة مدة الحبس الاحتياطي لتصل إلى عام كامل، سيتحول من أداة استثنائية واحتياطية إلى عقوبة قاسية، فقانون الإجراءات والمحاكمات الجديد قلص مدة الحبس الاحتياطي، ففي المادة 60 الفقرة الثانية حددت مدة حجز المتهم لدى الشرطة بـ 48 ساعة وأعطت المادة 69 الفقرة الأولى – النيابة الحق في حبس المتهم لمدة تصل إلى 10 أيام، وبعدها توكل للمحاكم النظر في تمديد مدة الحبس ووفق للقواعد التي نص عليها قانون الإجراءات في مواده « 69- 70».
إذن للقضاء وحده حق النظر في استمرار الحبس الاحتياطي من عدمه فهو في حقيقة الأمر حكم قضائي مؤقت، والأحكام ليست من اختصاص النيابة العامة، فمثلا – لو استمرت النيابة في حبس متهم ما – لمدة عام – وظهرت براءته بعد المحاكمة فإن هذا يعني عمليا تحول النيابة العام من كونها جهة تحقيق وضبط إلى جهة قضائية.
بالتأكيد سيكون هناك تداخل في الصلاحيات بين القضاء والنيابة العامة مما سيؤثر على استقلالية القضاء، ربما كان المرسوم المقترح يهدف إلى حماية المجتمع من بعض الجرائم الأمنية الخطيرة كالإرهاب والقتل والمخدرات وقضايا الفساد الكبرى، ولكن الحل لا يكمن في زيادة فترات الحبس الاحتياطي، ففترات الحبس الحالية كافية وربما تصل إلى ثلاثة اشهر، ولكن الحل يكون في الإسراع بإجراءات المحاكم لهذه الأنواع من الجرائم الخطيرة في درجات التقاضي الأولى.
٭ ختاما – يرى الكثيرون في المرسوم المقترح شبهات دستورية عديدة تتصادم مع مواد الدستور، فأولا لا تنطبق على هذا المرسوم صفة الضرورة المنصوص عليها بالمادة 71 من الدستور، كما ان المتهم سيعامل معاملة المذنب وسيقع علية أذى مادي ومعنوي جراء طول مدة الحبس وهذا يخالف المادة الدستورية (34)، التي تؤكد أن «المتهم بريء حتى تثبت إدانته في محاكمة قانونية تؤمن له فيها الضمانات الضرورية لممارسة حق الدفاع ويحظر إيذاء المتهم جسمانيا ومعنويا».
٭ الخلاصة – يبدو أن الحكومة ستتبع الطريق الأسهل لها في إقرار القوانين وهو إصدارها بمراسيم، لعلمها ان رفضه يتطلب ثلاثين من أعضاء مجلس الأمة وبما ان أعضاء الحكومة سيصوتون أيضا فإنها عمليا بحاجة إلى موافقة 6 نواب بالإضافة لأصوات الحكومة ليمرروا المرسوم بنجاح، ولكن يبقى أمام مرسوم الحكومة عقبة أخيرة ومهمة وهي المحكمة الدستورية عندما يطعن بدستورية المرسوم.