أصداء الاتفاق النووي بين إيران ومجموعة الدول الكبرى ما زالت تتفاعل عالمياً وإقليمياً، ومن شأن هذا الحدث المهم أن يعيد رسم الخريطة السياسية والاقتصادية والاستراتيجية ليس على مستوى منطقة الخليج والشرق الأوسط، بل على الصعيد الدولي، ويشمل ذلك بالطبع شبكات المصالح والتحالفات وإعادة قراءة الملفات الشائكة والمعقدة التي تراكمت نتائجها على مدى العقدين الماضيين على وجه التحديد.
تأتي زيارة وزير الدفاع الأميركي أشتون كارتر إلى منطقة الخليج في إطار “طمأنة” واشنطن حلفاءها التقليديين في دول مجلس التعاون حول نتائج الاتفاق النووي مع إيران، والتأكيد على عدم تأثير الشراكة الخليجية-الأميركية بالمصالحة مع غريمتها على الضفة الشرقية للخليج، مع ملاحظة أن الحكومة الأميركية تردّد عبارة الحلفاء التقليديين على السعودية وشقيقاتها في حين تعلن إسرائيل حليفها الاستراتيجي.
البعد الأمني في الشراكة الأميركية-الخليجية هو الأهم بالطبع لدول المنطقة، على الرغم من العقدة التاريخية لمفهوم الأمن والاعتماد فيه على الخارج بعد قرابة نحو قرن من الزمان على استقلال السعودية، وأكثر من نصف قرن بالنسبة إلى بقية دول مجلس التعاون، وطالما كان الهاجس الإيراني هو مدعاة القلق الخليجي الذي استغل أميركياً حتى آخر رمق، حيث تشير إحصاءات الكتاب السنوي للإنفاق العسكري وتجارة السلاح في العالم، والذي تصدره وزارة الخارجية الأميركية، إلى أن مجموع ما أنفقته دول الخليج العربية الست على العسكرة خلال العقد الحالي فقط بلغ 564 مليار دولار، ومعظم هذا المبلغ كان على شكل عقود لتزويد هذه الدول بالسلاح، خاصة من الولايات المتحدة.
في مقابل الإنفاق العسكري الخليجي للفترة من 2001 حتى 2011 أنفقت دولتا إيران والعراق مجتمعتين 153 مليار دولار على التسلّح والعسكرة، أي أقل من ثلث الميزانية الخليجية، ومع ذلك لا تشعر دول مجلس التعاون الخليجي بالأمن الإقليمي! فما الحل إذاً؟ وهل نستمر في سباق التسلح لعقد آخر من الزمن ونخصص ما يقارب تريليون دولار إضافي للسلاح والجاهزية الحربية في ظل تراجع أسعار النفط وانحسار الأهمية الاستراتيجية للخليج في المنظور الأميركي الجديد، وانفتاح إيران على العالم الخارجي وتنامي نفوذها السياسي وقوتها الاقتصادية؟! على دول الخليج إعادة قراءة منظورها الأمني وعدم اعتبار الشق العسكري البعد الوحيد في استراتيجيتها الشاملة المستقبلية، وعلى إيران في المقابل إعادة رسم خريطتها السياسية والجيوبوليتكية مع المنظومة الخليجية بما في ذلك ترميم جسور الثقة والمشاريع الإقليمية المشتركة، فما الذي يمنع قيام حوار جدي وحقيقي وإن كان ماراثونياً بين دول الخليج وإيران على غرار محادثات فيينا التي استمرت 22 شهراً متواصلاً، وانتهت بحلحلة أخطر ملف يواجه العالم منذ سقوط نظام الحرب الباردة؟ ولو فكّر الجانبان الإيراني والخليجي بأن الـ700 مليار دولار التي تم صرفها على السلاح منذ بداية القرن الحالي، لو تم إنفاقها على المشاريع الحيوية والبنى التحتية وفتح الأسواق بما فيها التكنولوجيا المتقدمة لما كنا نعاني ما نعاينه اليوم من حالة الاحتباس الحراري الضيقة التي لا تتجاوز عقدة العرب والعجم والشيعة والسنّة!