أعتقد أن الجميع، من كتّاب ونشطاء سياسيين ومحللين وحتى نواب ومسؤولين شرفاء، قد تعبوا من الكتابة والحديث والتحلطم ونقد كل هذا الكم المتزايد من الفساد نتيجة تراخي قبضة القانون، والتغاضي عن كثير من المخالفات. فما توقعناه مثلاً من جمود أعمال لجنة إزالة المخالفات، بعد تقاعد رئيسها السابق اللواء محمد البدر، قد وقع. فالمخالفات بدأت تطل برأسها. وفي السياق ذاته، نشر في صحف ما قبل العيد بيومين أن المجلس البلدي أقر لائحة البناء للمشاريع المتميزة بمناطق السكن الاستثماري، والمجاورة للمناطق السكنية، التي لا يقل صافي مساحة القسائم التنظيمية للمشروع المراد تطويره بعد تنظيم القطعة، وبعد استقطاع النسبة التي ستؤول للدولة منها، عن 50 ألف متر مربع، مع التزام المالك بتنفيذ البنية التحتية، وجميع الاشتراطات الأخرى على نفقته (!).
من الواضح أن الكويت ليست بحجم الهند، فمساحتها صغيرة جداً، وليست هناك مساحات سكن استثماري بحجم 50 ألف متر كثيرة مجاورة لمناطق سكنية(!) ومن الواضح أكثر أن قرار المجلس البلدي ربما جاء مفصّلاً لمستثمر محدد. وإن صح ذلك، فمعناه أننا لا طبنا ولا غدا الشر! فهل هناك من يستفسر عن صحة مثل هذا القرار؟
والكارثة الأخرى، في «شبه جزيرة البطيخ»، ومعذرة على هذا الوصف، أن المجلس البلدي، وجلال قدره ومكانته وبعده عن الفساد، قرر أو أكد إضافة بنود جديدة تتعلّق بابطال أي تراخيص بناء للقسائم الصغيرة قبل إتمام تنفيذ البنية التحتية الأساسية وتسليمها للجهات المعنية مع مساءلة الموظفين المسؤولين «أدبياً» عن صدور أي تراخيص بناء أو إصدار آراء تنظيمية أو شهادات أوصاف لأي عقار، أو يكونون مسؤولين عن إصدار كتب إيصال التيار الكهربائي لعقارات أي مشروع مخالف (هذه لغة القرار، والتي حسّنا فيها، وربما كان الإبهام والركاكة مقصودين).
وبالتالي، فالموظف الذي يرخص مشروعاً مخالفاً، والذي يأمر بإيصال التيار الكهربائي إليه، سيعاقب «أدبياً»، فما معنى «أدبياً»؟ قد تكون أقصى عقوبة يتوقعها الموظف في هذه الحالة هو إنهاء خدماته أو نقله إلى دائرة أخرى، ولكنه يكون في المقابل قد تسلّم «المقسوم».
إن الفساد بتزايد، ويجب عمل شيء لوقفه، وهيئة مكافحة الفساد، على الرغم من أن أملنا فيها لم يتلاشَ، فسوف تغرق قريباً في الكم الكبير من قضايا الفساد التي ستحال إليها للنظر في مدى صحتها! فهل من منقذ لنا من الغرق في هذا البحر الهائج من الإفساد؟!