نتمنى، كشعوب عربية مسلمة، أو (كنا نتمنى)، وفي كل عام قبل حلول شهر رمضان المبارك، ألا يأتي شهر رمضان من العام المقبل إلا والأمة العربية والإسلامية قد تحرّرت من نير الاستبداد والجور والفساد والتآمر، ويمر الشهر الفضيل وتأتي الأعياد تلو الأعياد وتبقى الأمنية نفسها ترفرف، وكلما دعونا الله سبحانه وتعالى أن تنزاح الأزمات، نراها تزداد وتتفاقم، بئساً لما صنعت الأيدي.
وكذلك، لنعد إلى الأمنيات ليلة مطلع كل سنة جديدة، سنجد تلقائية العبارة المكررة المعهودة المسكينة: «نتمنى أن تتحرّر فلسطين وأن تعود إلى حضن العرب، وأن تنعم الأمة العربية والإسلامية بالسلام والأمن، وأن وأن وأن». ومن حقنا كشعوب أن ندعو ونبتهل، ومن حقنا أن نتمنى ونحلم، ومن حقنا أيضاً أن نعيش العيد السعيد بكل ما فيه من فرح وسرور وجمال وبركة مهما كانت شدة الألم.
في هذا المقام، لدي بضع كلمات للحكام العرب والمسلمين، كمواطن عربي مسلم لا حول له ولا قوة، وهناك الملايين مثلي دون شك، يشعرون الشعور ذاته، ويحملون الهموم نفسها، ويشاطرونني في كل كلمة كتبتها:
أصحاب الفخامة والسيادة والمعالي والشموخ وكل شيء في الدنيا،
تحية طيبة وبعد،
يغمرني فرح عارم وأنا أتقدّم لكم ولكل الشعوب العربية والإسلامية ولكل البشر في العالم بالتهنئة بعيد الفطر المبارك، ولعلني مع باقات الورد التي أحملها لكم، أردت أن أكتب على كل وردة أسماء بلداننا العربية والإسلامية التي أصبحت تعاني الويل والثبور والدمار والقمع والتحطيم وتشريد الأهالي وسفك الدماء وسطوة عصابات الإرهاب وتكالب الدول العظمى، لكنني شعرت بالحيرة، عن أي بلد أبدأ، وعندما تراءت لي فلسطين «الغالية الغائبة»، ترددت حتى لا أجرح شعوركم وأنتم تشاهدون وضعاً أقسى من غزة! في العراق، سورية، اليمن، ليبيا، وتشاهدون أهل الإرهاب ينتشون بقتل شعوبكم ويرفعون علامات النصر ويهتفون بالتكبير: «الله أكبر»، عليكم وعليهم، لكن على أية حال، فباقة الورود تلك أقدمها إلى الشهداء في كل بلداننا العربية وإلى سجناء الرأي وإلى المعذبين وإلى من تُنتهك حقوقهم… حتى هذه اللحظة.
أيها القادة، عدت إلى بضع إحصائيات عن الفقر والجوع وتردى الأحوال المعيشية في عدد من الدول العربية والإسلامية، ولكنني (خزيت) الشيطان حتى لا أجرح شعوركم وأنكد عليكم فرحة العيد، فالعيد ليس للحديث عن أعداد الأسر التي بلا عائل، والأطفال المشردين والأيتام والمرضى والمعاقين، وعدد الأسر التي تنام وتصحو جائعةً، وعدد المحرومين من التعليم وهم بالملايين. صدّقوني، إنهم بالملايين، وارجعوا إلى إحصائيات الأمم المتحدة، ومع ذلك، فليس أفضل من أن تضربوا بيد من حديد (لا على شعوبكم)، بل على كل مسئول، من الرئاسات إلى أصغر مشرف، يعبث ويكذب ويحلب من أموال البلد، ولا يستطيع أن يقدّم كلمة أو تقريراً حقيقياً واحداً يكشف لكم ما يجري في بلدانكم، وها… تذكرت، كل أولئك المستشارين الذين (هم يحلبون أيضاً) من أموال البلد حلباً! اطردوهم، فلا خير فيهم وطوال أزمات الستين عاماً الماضية كانوا جالسين في مكاتبهم (سومان ديكه).. بلا فائدة ولا عائدة وكثرتهم، قلة بركتهم.
أيها الكبار، سيكون العيد أعلى وأكبر وأعم بهجة وسروراً وفرحاً في عامنا هذا وفي كل عام، إن وضعتم نصب أعينكم أنكم تحملون مسئولية سيحاسبكم الله سبحانه وتعالى على كل صغيرة وكبيرة فيها، فحري بكم، أنتم وحكوماتكم، أن تجعلوا الأوطان في مقدمة المصالح، وشعوبها أساس كل اهتمام فهم مصدر السلطات، وأن تغضبوا غضباً شديداً على كل حكومة، وعلى كل وزير مهما كانت مكانته، من أولئك الذي خانوا الأمانة ولم يحملوا شرف المسئولية الوطنية، وأن تدركوا أن أمان الشعوب بكل أديانهم وطوائفهم وتياراتهم وطبقاتهم، هو الحصن الأقوى، فإذا كنتم تخشون من أميركا فهي تلعب بكم لعباً غير مكترثة، وهي تحترم الأقوياء القادة لا الضعفاء الأتباع، وإن وجدتم في «داعش» وأخواتها خطراً داهماً، فأنتم تعلمون جيداً جداً كيف يمكن سحقها بإيقاف التمويل والدعم والمساندة والتدريب. وإن كنتم تخافون شعوبكم، فلا بأس، اقتربوا منهم وامنحوهم حقوقهم، وعاملوهم كأسنان المشط في الاستواء، وتوجهوا نحو إصلاحات حقيقية، وستعتدل الأمور والأوضاع. وعيدكم بالتأكيد وعيد شعوبكم سيكون مباركاً من القلب، وليس من الإعلانات والنفاق والتملق… وعساكم من عواده يا شعوب الأمة.