ظهرت هافينلي جوي Heavenly Joy، الصبية السوداء البشرة والجميلة، في برنامج المواهب الأميركي America’s got talent، وذكرت أنها تجيد الغناء مع الرقص الإيقاعي، وعندما سألها أحد المحكمين عما ستفعله إن فازت بجائزة البرنامج وقدرها مليون دولار، ردت قائلة إنها ستوزع المبلغ بأكمله على الفقراء، ففي العالم الكثير منهم. للعلم، هافيلني في الخامسة من عمرها فقط، وكلامها ذكرني بالتصريحات الأخيرة لملياردير العرب والمسلمين، الأمير الوليد، الذي قال إنه سيعطي كامل ثروته، البالغة، 32 مليار دولار، للفقراء، ولكن لم يحدد متى، هل قبل أو بعد وفاته؟
من جانب آخر صرح رجل الأعمال الإماراتي عبدالله الغرير بأنه خصص ثلث ثروته الشخصية للصرف على مؤسسته التعليمية، وتوفير فرص تلقي التعليم الجامعي للمتفوقين من ابناء العائلات الفقيرة، وأن العدد المستهدف هو 15 الف طالب، للسنوات العشر القادمة، بميزانية تبلغ أكثر من مليار دولار بقليل. وبتطبيق الكلفة نفسها على ثروة الأمير الوليد نجد أن بإمكانه، إن أحب ذلك، وخلال عشر سنوات، توفير التعليم العالي لما يقارب النصف مليون «بني آدم»، عربي. ولكن يبدو أن توزيع الطعام والبطانيات وحفر الآبار أفضل أجرا، وأكثر سهولة من «دوشة» تعليم نصف مليون أمي، خصوصا أن النصوص المتعلقة بالأجر الأخروي عن مثل هذه المشاريع ليس باتا!
لقد سبق وأن كتبنا، ولا ضير من إعادة الكتابة، من أن منطقة الشرق الأوسط برمتها لم تنجب طوال تاريخها، القديم والحديث، ولست مبالغا هنا، لم تنجب فردا آمن بأهمية التعليم، والصرف عليه، مثل رئيس الوزراء اللبناني الراحل رفيق الحريري. فعلى الرغم من كل اللغط الذي دار حوله، فإنه من المؤكد أن عشرات آلاف اللبنانيين، ومن مختلف الديانات والطوائف، تلقوا تعليمهم العالي على حسابه، وأعرف شخصيا اكثر من عشرين من هؤلاء، ضمن محيطي الصغير. علما ان الحريري لم يمتلك يوما ثروة الأمير الوليد.
إن الكلام عن الكرم سهل، والحديث عن نية الصرف على مشاريع «مستقبلية» للفقراء اكثر سهولة، ولكن الصعب أن نبني مدرسة، ونمسح عار الأمية عن جبين ملايين العرب، خصوصا إن علمنا أن أكثر من ثلاثين في المئة من المصريين لا يعرفون القراءة والكتابة، وأكثر من ذلك في السودان، وقريبا من ذلك في عدة دول عربية أخرى!
وبالتالي نجد مشكلتنا الأساسية في التطرف والتخلف تكمن في انتشار الأمية وقلة الثقافة في مجتمعاتنا، وفي «عزوف» كبار أثرياء العرب التصدي لقضية التعليم، إلا ما ندر. ولو صُرف على التعليم نصف ما تم صرفه على تمويل الجماعات الإرهابية لكانت حالنا الآن افضل بكثير.