من يستمع الى أدبيات معظم السياسيين والقادة في عالمينا العربي والإسلامي من بيانات ووثائق، يتولد لديه شعور بأننا قاب قوسين أو أقرب الى الدولة المثالية، التي تعي مشاكلها وعثراتها، وتعلن التوجهات والخطط والإجراءات اللازمة لتخطيها وتحقيق إنجازات كاملة، وبعد سويعات من تقليب تلك الأدبيات، التي ما فتئت تتكرر منذ عشرات السنين، يدرك أحدنا أنه أمام بيانات إنشائية وبيانات استهلاكية ووثائق انفعالية منعزلة عن الواقع فما سطر فيها ـــ رغم روعته ـــ في واد والواقع والممارسة على نقيضها في وادٍ آخر، وهو سر المراوحة في مكاننا أو تراجعنا المخيف. من يراجع واقع الأمتين العربية والإسلامية يجد أغلب دولها وقيادييها وسياسييها في دائرة التراجع وخيبة الأمل والغرق في مشاكل مفصلية، ليس لها للخروج منها من سبيل، ما دمنا نقول ما لا نفعل، ونخطب بما لا نؤمن.
إن قراءة وتفحص سير الأمم والدول التي تتقدم وتنجز، ويكون لها السبق في كل شيء، لن يطول بحثها في أن تجد أن هناك دائماً ثلاث فضائل فيها، يكمن سر تغلبها على عثراتها ونجاحها وتقدمها المستمر، ولذا فأنا أقول «ثلاثٌ إن حازتها الدولة أو الأمة تقدّمت».
الفضيلة الأولى: المعرفة لتاريخها ومقوماتها وتشخيصها الصحيح واقعها وأوجه القوة أو الضعف فيها، فإن تم ذلك، من دون تغطية أو تورية أو مجاملة أو تزلف للحكم، فالتقارير وضعت لتقرأ والمشاكل لتستوعب لا كي تحفظ أو تلخص أو نمر عليها مرور الكرام، تكون الدولة أو الأمة قد حازت مؤهلات التقدم، وبذلك تحقق لها نصف مشوار تحقيق النجاح.
والثانية: رؤية مستقبلية متجددة لكل مرحلة من مراحل الدولة وتطورها مقرونة بإرادة نافذة تحمل الجميع على تحقيق تلك الرؤى بتجرد عن المصالح التي تحرف ركب العمل الوطني عن وجهته الصحيحة وتزرع ترددا فيها حسابات للخسارة والمكاسب الذاتية أو الشخصية، مما تتأكل بها مع الأيام قدراتها ويشل تفكيرها وتتوقف آليات العمل والإنتاج فيها.
والثالثة: شراكة مجتمعية متكاملة في التفكير والقرار والتصور والمعاونة والترتيب، فالناس بقوتهم الجمعية قوة بشرية خارقة فإن شعروا بأن القرار ليس حكرا وتولي المسؤوليات ليس مزاجية انتقائية والمساهمة لا يوقفها حد، وإن الكفاءة والفرص المتساوية والعدالة والشفافية والحرية هي ركائز الشراكة تتحول الدولة لطاقات خلاقة متوالدة لا تعرف الجمود أو اليأس أو الإحباط، لأنه إذا كانت طبقة تحتكر القرار وخيرات الدولة أو الأمة، فإن ذلك مما يعجّ.ل الانهيار.. وهي حال معظم دولنا وأمتنا بكل أسف!