حكوماتنا واولو الامر فينا يدعون الى الوسطية، او يدّعونها، بتشديد الدال. ومع هذا تزخر مؤسساتهم وتندي وسائل اعلامهم بما يحض على التطرف ويشجع على كراهية الآخرين، وفوق هذا كله يبشر المسلم بالعذاب الاكيد ونار جهنم التي سيصطلي بنارها الاغلبية، ان لم يكن الجميع.. وهنا بيت القصيد وهنا المنبع الاول للارهاب والمؤسس له.
قبل الصحوة الدينية المزعومة، وقبل تبني اولي الامر لها وتقريب قياداتها وتمكين ما يسمى بدعاتها. قبل هذا كان الانسان هنا يعبد الله ويذكره في سرائه وضرائه. بعدها اصبح «يخاف» الله فقط.. ويذكر عذابه في كل لحظة ومع كل نفس يلتقطه. اصبحت مهمة الانسان المسلم هنا ان يستغفر قبل ان يتنفس، يتلذذ في تعذيب نفسه على امل ان يؤدي هذا العذاب والمشقة الى حسن الجزاء والرحمة في الآخرة.
كان الانسان يفكر في يومه وفي قوته وفي تحسين وضعه. حاليا كل ما يشغل الانسان المسلم هو عذاب القبر. وليس حاضره ووضعه الاجتماعي او حقه السياسي. وطبعا كان كل هذا مقصودا ومتفقا عليه بين الانظمة وحلفائها من دعات التخلف والمحافظة، في بداية الامر بالطبع.. فاليوم استقوت مجاميع التخلف ولم تعد بحاجة الى دعم ومساندة هذه الانظمة. بل اصبحت هذه اي الانظمة الحليفة في بعض المناطق والاقاليم عالة على مجاميع التخلف، ومعيقا لاستمرار تمددها.
مسلم هذه الايام وفقا لمتخلفي ومتزمتي مبدأ «النقل» قبل العقل. يعمل للاخرة ولتجنب العذاب. ليس ليومه ولا حتى الى الجنة الموعودة. اقصى ما يحلم به هو ان يتجنب عذاب القبر الذي برعت قوى التلخف في التهديد به، والتلويح به وحتى في اخراجه سينمائيا وتمثيله. وكل ما يتمناه ان يتجنب المصير المشؤوم المؤدي الى نار جهنم.
اعمل لدنياك كأنك تعيش ابدا، حديث ينسب الى الرسول تارة والى علي بن ابي طالب تارة اخرى. لكن مسلمي اليوم خصوصا اتباع النقل لا يعملون الا بالشق الثاني منه. «واعمل لاخراك كانك تموت غدا». فالمسلم اليوم يعمل لاخراه. رغم ان هناك الكثير من المزاعم وحتى الحقائق تحذر من ذلك وتطالب المسلم بان يعمل لدنياه وان يعيش حياته الدنيا.. لكن كيف.. وانى لمن يتبع مبدأ اهل النقل ان يحظى بالوقت الكافي لكي يتنفس دون ان يكون مشغولا بذكر الله، او استغفاره، او الطلب منه «الدعاء». كيف له ان يتحرك وهو يصلي خمسا ووترا وشفعا ويتروح ويقيم ويتهجد ويتعبد، واخيرا يعتكف شهره بالمسجد. وبعد هذا كله سيلقى هول عذاب القبر وسيمر ولو مرور الكرام على نار جهنم.