ربما يكون مفهوما أن يشطح البعض في توصيف أسباب حادثة تفجير مسجد الصادق، وذلك تحت تأثير الصدمة الأولى، لكن ليس مقبولا أن يكون ذلك التوصيف للأسباب مسيطرا على الخطاب العام من دون تحليل واع يحررنا من تأثير الصدمة، ويجعلنا ننفذ إلى الأسباب الحقيقية.
إن التوصيف الصحيح لأي مشكلة، ووضعها في مكانها المناسب، هو نصف الحل، فعندما نخطئ التوصيف ونخطئ في تقدير الأسباب، إما بالتهوين أو التهويل، نكون قد حرمنا أنفسنا من معرفة الحقيقة، والوصول إلى الحل الأمثل للمشكلة التي نحن بصددها.
هناك مبالغة في إبراز البُعد الطائفي في حادثة تفجير مسجد الصادق، وهذا البُعد، وإن كان حاضرا بدرجة ما في الحادثة، فإنه تم إعطاؤه أكبر من حجمه الحقيقي في رأيي، فعلى الرغم من أننا نعاني من احتقان طائفي في البلد، فإن هذه الحادثة لم تكن نتيجة لذلك الاحتقان، فجرائم داعش قد طالت السنة قبل الشيعة، وربما بقدر أكبر، والكلام ذاته يقال عن المناهج الدراسية، فمناهجنا، وإن كانت ضعيفة، فإن تحميلها المسؤولية يعني أن من قام بالتفجير قد درس بمدارسنا ــ وهذا خلاف الواقع ــ وأن منهاجنا ذات تأثير كبير في سلوك وقناعات الطلبة، ويلزم من ذلك أن نقوم بتحميل المناهج الدراسية مسؤولية جميع الجرائم التي تحصل في المجتمع!
تحميل المناهج مسؤولية الحادثة فيه نوع من الانتقائية المفضوحة، فاختيار سلوك شاذ عن المجتمع، ومنبوذ من كل الأطراف، ولاقى استنكارا من جميع المكونات، ثم ادعاء أنه حصل بتأثير من المناهج، ثم تجاهل مختلف سلوكيات المجتمع، بما فيها الإيجابية، فيه ازدواجية كبيرة، فلماذا لا تكون حالة الالتحام المجتمعي، والعزاء الذي حضره الآلاف من كل الفئات والطوائف هو المعبر عن مناهجنا الدراسية مثلا؟!
في خضم التحليلات المنقوصة، التي غلب عليها تبادل الاتهامات، وتصفية الحسابات، وتحقيق المكاسب الخاصة، غاب التحليل الموضوعي الرصين، الذي يضع الاعتبار لجميع أبعاد القضية، ولا يتجاهل أيا منها، ثم يضع لكل بُعد وزنه الحقيقي، فإذا غاب أي بُعد عن التحليل أصبح مختلا ولا يعبّر عن حقيقة الحدث، على سبيل المثال غياب البعد السياسي الخارجي والإقليمي في تحليل حادثة تفجير المسجد، وهو أكثر الأبعاد ـــ برأيي ـــ تأثيرا في الحدث، فلم يكن هذا الحادث نتيجة ظروف داخلية في المقام الأول حتى نبالغ في جلد الذات، وإنما العنصر الخارجي والظرف الإقليمي هما المؤثر الرئيسي في الحدث. لذلك يجب أن يُعطى القدر الأكبر من الاهتمام وتسليط الضوء، لا أن نتناساه لنبحث عن الأبعاد الأكثر إثارة، التي تعمّق الاصطفاف!