منذ أن ظهر تنظيم «داعش» وانتشرت ممارساته العنيفة.. بدأت أصوات مختلف الأطراف الفكرية تعلو باتجاه «محاربة الفكر بالفكر» وأن يتم رسم إطار فكري وسطي معتدل في مواجهة «الفكر المتطرف»، بهدف إيقاف انضمام أفواج المغرر بهم إلى «داعش» ذلك التنظيم الذي بات يحكم اليوم حوالي 350 كم بفضل قوته البشرية المدججه بالسلاح والعتاد.
لكني أختلف كل الاختلاف مع الاتجاه المنادي بمحاربة هذا التنظيم فكريا إذ أن فكره وكذلك فكر أي تنظيم متطرف أيا كان مصدرة موجود منذ القدم.. فالتطرف قديم كالوجود البشري، ولكن الذي اختلف هذه المرة هو كمية الاستجابة لافكار هذا التنظيم وكمية المؤيدين له والمنضمين للقتال في صفوفه.. وهنا مربط الفرس، وفي هذه النقطة بالذات يجب البحث عن مكامن العلّه والاختلال، وبذلك يمكننا طرح تساؤل عريض قد نستطيع من خلاله رصد المشكلة ألا وهو: لماذا هذا الإقبال والتأييد واسع النطاق لتنظيم «داعش» وممارسته العنيفة؟
في اعتقادي الشخصي أن سبب ذلك التأييد يكمن في ضعف سياسات بعض الدول الاجتماعية، فعندما يتفشى الفقر، وترتفع معدلات البطالة، وتنتهج الحكومات بعض السياسات التي تفضي إلى تهميش وإقصاء بعض فئات المجتمع، سيؤدي ذلك بشكل أو بآخر إلى جعل تلك الفئات عرضه للاستجابة لأي مغريات تحسن من أوضاعهم، أو يتولد لديهم رغبة من الانتقام من المجتمع الذي عصف بحياتهم، وجعل منهم أشباه البشر. أضف إلى ذلك مجموعة من عوامل الظلم والاستعباد القائمة على السجن والضرب والسحل والتعامل الأمني الوحشي مع بعض أفراد تلك الفئات التي تنادي بحقوقها من أجل العيش والحريّة.
ولَك أن تعرف عزيزي القارئ أن العالم العربي فيه أكثر من 100 مليون فقير أي ثلث سكان العالم العربي، وأن معدل البطالة قد تفشى بشكل غير مسبوق حيث تشير بيانات منظمة العمل الدولية بأن نسبة البطالة في العالم العربي قد بلغت نحو 12% وهي ضعف نسبة المعدل العالمي للبطالة البالغ نحو 6%، وأضف إلى ذلك ضعف سيادة واحترام القانون، وضعف فعالية الحكومات في تحقيق إنجازات تنموية تنعكس على عامة الشعوب، وغيرها من إخفاقات يطول الحديث حولها.
كل هذه الظروف والعوامل أدت إلى اندلاع ما بات يعرف بثورات العربي التي رفعت شعار التغيير نحو الأفضل، وكذلك عيش حرية عدالة اجتماعية، إلا أن هذه الثورات ما لبث إلا وأن تم الانقلاب عليها ومحاربتها حتى ادخلت بلدانها في نفق مظلم، مما أدى إلى زيادة التضييق على تلك الفئات. مما جعلها أكثر عرضه للاستجابة للتطرف انتقاما من تلك القوى التي تحارب بكل ضراوة من أجل إفقار الشعوب وتعزيز معاناتها.
إن هذه الظروف والأوضاع ما هي إلا نتاج لغياب حقيقي لمفهوم العدالة الاجتماعية والذي يعني «عدالة توزيع الفرص» بين كافة أفراد الشعب سواء على مستوى توزيع الدخل والوظائف ومنافع التنمية وغيرها، بذلك أصبحت مجتمعاتنا العربية منكشفة أمام تلك التنظيمات وتعزيز فرص الاستجابة لتلك التنظيمات الهدامة، وتقوي من قدرتها على التغلغل وبث سمومها في المجتمع، وهذا ما يخالف مبدأ العدل أساس الحكم.
ولكن من ناحية أخرى يجب أن ننظر إلى أنه في حالة العمل بسياسات تدفع نحو تحقيق العدالة الاجتماعية، فإن ذلك سيضر بمصالح السلطة في البلدان العربية، لأن المعايير الحاكمة للعبة السياسية ستختلف، لأن ذلك سيؤدي الى زيادة الحريات والمشاركة الشعبية، ومحاربة للفساد، والتنفيع، والمحسوبية، وتعزيز أُطر المساءلة والمحاسبة والنزاهة والشفافية. كل ذلك سيؤدي إلى الإضرار بمصالح تلك السلطات . فهنا نقف أمام حالة معقدة. إما العدالة الاجتماعية ومحاصرة التطرّف، وإما استمرار الوضع الحالي من اجل عيون السلطات في عالمنا العربي الكبير.