يقف إبليس «داعش» الرجيم على بوابة جامع ويشاهد بأم عينه الخبيثة الآثمة، عشرات المصلين وهم في سجودهم بين يدي ربهم، فيأبى هو أن يسجد! ثم يطلق تكبيره الزائف الجائر بغياً، ويفجّر جسده في أطهر أبدان البشر، وفي أطهر الأماكن، وفي أطهر الأيام والشهور.
الصورة القدسية الأسمى في تفجير مسجد الإمام الصادق في الكويت، وكذلك في مساجد القديح والعنود والدالية، تكشف أن من يهتف «الله أكبر» ويركع لله هو المنتصر على من يهتف «الله أكبر» ويكفر بالله.
قرارات وأحكام إبليس الرجيم، عليه وعلى أتباعه من «داعش» ومن لفّ لفها، اللعنات إلى قيام الدين، لا تكاد تصدر، حتى ترتفع أصوات التكبير «الله أكبر.. الله مولانا ولا مولىً لكم». من إبليس ذاته ومن أتباعه وقبيلته، حتى أنك لتتخيل أن أحفاد ثيودور هرتزل وبن غوريون أصبحوا في حال أفضل وهم يستمعون إلى نداء عظيم «الله أكبر»، بعد كل فعل أثيم وعلى رأس كل جريمة ونحر وتفجير وتهديم وتدمير.
محكمة «إبليس الرجيم» لا تقتصر على وجه واحد من وجوه الإرهاب. تلك المحكمة تضم في قضاتها من أهل الإجرام والطائفية والتكفير والتشدد والتحريض من كل الطوائف، مع اختلاف النسب والجنسيات، من السنة والشيعة وباقي الأديان والملل. في كل دين ومذهب وملة جيشٌ من الأبالسة الجناة الطغاة المرتزقة، فلون الدم بالنسبة لأولئك شذّاذ الآفاق المتاجرين زيفاً وزوراً بالدين، هو لون الحياة وهو نبع الإيمان الذي يفجّر فيهم صرخة تكبير على سلوك وتدبير وصياغة ورغبة الصهاينة. التكبير الذي يرتفع اليوم من حناجر الفئة الضالة من خوارج العصر، هو مجرد غطاء اكتسبوه حين كان أجدادهم يستمتعون بقتل سيد الشهداء الحمزة بن عبدالمطلب رضوان الله عليه، وسيد شباب أهل الجنة الإمام الحسين بن علي عليه السلام.
لم يعد مستغرباً بالنسبة لـ «الغرب الكافر المجرم»، كما يحلو لكل أتباع إبليس تسميته، أن يعلنوا عداءً أكبر وأعلى وأشد من السابق للدين الإسلامي، وهم يشاهدون الأدوات التي صنعوها هم بأنفسهم، وفي غرف مخابرات دول كبرى، يرون مشاهد البشاعة في قمتها ذبحاً وتعذيباً وسفكاً للدماء يجرف الناس… من الأطفال إلى كبار السن، والفاعل يكبّر… الله أكبر.
أهل التكبير المزيف لم يترعرعوا على منهج شيطانهم إلا لأن هناك من غذاهم منذ صغرهم بالمناهج والكتب والكتيبات والتسجيلات والبيانات والمحاضرات والمعسكرات في بيئة حاضنة كانت ولاتزال.. ومستمرة أيضاً بوضوح وعناد وتحدٍ. مستمرة في تكفير الآخر والدعوة لسفك دمه واستحلال كيانه وعرضه ووجوده. لقد استمعوا واستمعنا ومازلنا للخطب والأصوات القبيحة في الفضائيات المأجورة وهي تؤجّج وتؤلّب وتدعو بالويل والثبور وتجيش المقاتلين وتسيير القبائل لشرب أكبر كأس من الدماء التي حرم الإسلام قتلها.
حكومات الخليج كانت تدرك أن هناك غرساً وتنشئةً لأطنان هائلة من القنابل البشرية التي تم غسل أدمغتها بطريقة دراماتيكية مهولة. فتجد أولئك الذي يحفظون القرآن ويجيدون تلاوته، من باب الحديث: كم من قارئ للقرآن والقرآن يلعنه، وتجدهم على أهبة الاستعداد، لا لقتال الصهاينة أو الكفار أو أعداء الإسلام، بل لقتال طوائف المسلمين التي ترفض أن تجاريهم في وحشيتهم الجاهلية.
حكومات الخليج كانت تشاهد وتدرك، لكنها لم تحرّك ساكناً لا في إعلامها ولا في شئونها الإسلامية ولا على مستوى خطابها الوطني. كأنها كانت تستمتع بهذا النزف الذي سيكبر يوماً ما وسيجرف البلاد والعباد إلى دمار خطير. هي مصيبة فعلاً حين يكون المسئول هو من الحاضنة ذاتها!