كان وقتا لا ملامح له حين وقعت ثلاثة أو أربعة انفجارات في مناطق متعددة ومختلفة في الكويت بعضها كان في وقت واحد مثل مصفاة الشعيبة – محطة التحويل الكهربائي على الدائري الخامس ,المقاهي الشعبية – ميناء عبد الله في منتصف ذلك العام 1985 والذي كان أيضا بلا ملامح ولا تضاريس ! يقول أحد كبار الإداريين في الديوان الأميري: «كان الراحل الكبير الشيخ جابر الأحمد يستقبل شخصية أجنبية جاءته برسالة من رئيس دولتها عندما أبلغوني بضرورة إيصال خبر هذه التفجيرات المتلاحقة لسمو الأمير دخلت عليه بخلاف ما يقتضيه البروتوكول إذ إن بمعيته ضيف ولكن للضرورة أحكام ووجدتها أكثر من ضرورة أن أبلغ صاحب السمو بهذه الأحداث الجسام التي أصابت الكويت خلال ساعات ..معدودة! التفت باتجاهي الأمير الراحل وسألني باهتمام عن الموضوع فارتأيت أن أهمس بأذنه حتى لا يسمع الضيف وأخبرته بحدوث التفجيرات»!!
يكمل الإداري الكبير في ديوان الأمير الراحل حديثه قائلا:«توقعت أن يقوم من مقعده ويجري اتصالات هاتفية أو يأمر باستدعاء وزير الداخلية أو وزير الدفاع أو رئيس الوزراء أو يطلب مني أن أقوم بتوصيل أوامر ما لأي مسؤول في الدولة لمواجهة ما حدث أو .. أو.. لكن شيئا من هذا لم يحدث واستمر صاحب السمو الشيخ جابر الأحمد في جلسته وحديثه مع الضيف وكأن شيئا لم يقع …مطلقا!! بعد حوالي نصف ساعة انتهى اللقاء وودعه سموه إلى باب القاعة ثم عاد إلى مكتبه وتحدث عبر الهاتف وطلب تفاصيل عن تلك الحوادث وقد ظهرت نبرات صوته هادئة وواثقة وبعدها أعطاني حزمة من الاوامر لإيصالها كل في اختصاصه »!!
يختم الإداري الكبير حديثه بالقول :«هذا التصرف منه الذي أذهلني يعني أن الكويت بلد مستقر وثابت ويدار من من مؤسسات الثقة بها مطلقة وبالتالي فلم تكن مجرد قرية صغيرة تقافز أهلها من الرعب لمجرد أن إطار سيارة عابرة مرت على قريتهم قد انفجرت في شارعهم الرئيسي »!! أنا أيضا كنت مذهولا من هدوء صاحب السمو الأمير الشيخ صباح الأحمد خلال أحداث الشغب التي مرت قبل أكثر من سنتين في مسيرات ما أطلق عليها «كرامة وطن واحد» و«كرامة وطن اثنان» .. إلى أخره : كنت أقدم برنامجا تلفزيونيا على الهواء في ذلك الوقت وأتحدث بحرقة وخوف على البلد من هؤلاء الغوغاء خاصة ونحن نرى دولا تتمزق وشعوبا تحترق لا تبعد عنا إلا بضع ساعات بالسيارة او بضع ساعات بالطائرة بل وشعرت أحيانا أن تسارع دقات قلبي وقوتها أثناء البث المباشر قد تطغى على صوتي وأنا أتحدث عنها !! خلال أيام وعندما أمسك سمو الأمير بأطراف كل الخيوط في يده وبدأ في استقبال الشعب – كل الشعب ليتحدث إليهم بلسان هادئ وابتسامة مطمئنة حتى وهو ينطق جملته ..«الكويت راحت .. إلا شوية»! وقتها كان ذهولي من هدوئه وحكمته يزداد ارتفاعا بشكل عمودي ويستمر بالتمدد بشكل أفقي!.
مرت بضعة شهور على تلك الأحداث تم إيقاف برنامجي التلفزيوني لأسباب لا مجال الآن لذكرها ووجدتها فرصة لأخذ إجازة قصيرة أقضيها بعيدا عن الديرة وهناك في ذلك البلد العربي الشقيق التقيت بمسؤول بارز ودار حديثنا حول ما جرى في الكويت من أحداث شوارع ودهس شرطة بالسيارات واقتحام البرلمان وتطاول على كل السلطات و..و.. بقية الأحداث أنتم تعرفونها فضحك المسؤول الصديق وقال:«هل تعلم أننا أصبنا بالذهول من الطريقة التي تعامل بها صاحب السمو الشيخ صباح الأحمد من حدث كهذا كاد ان يزلزل النظام السياسي والأمن القومي لديكم »! ثم أردف وكأنه لم يرد أن يقولها :«هل تعلم لو أن شيئا كهذا حدث عندنا لأنزلنا نصف دبابات الجيش في الشوارع وثلاثة أرباع رجال وآليات ومدرعات الشرطة وهي متخمة ومدججة بكامل تسليحها خلال ساعات »!! صاحب السمو الشيخ صباح الأحمد كسر أنوف المتمردين وحفظ أمن الوطن والمواطنين ورد الكيد إلى نحور المتآمرين من خارج الوطن وداخله دون أن يأمر بإطلاق رصاصة واحدة أو تلامس عجلات سيارة دفع رباعي مموهة أرض شارع واحد من شوارع ..الكويت ! من شابه «أخاه» فما ظلم ومن شابها «آباهما» فما ظلما!